الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

يحيى العلمي.. راوي حكايات رموز مصر بأسلوب البسطاء

  • مشاركة :
post-title
المخرج يحيى العلمي

القاهرة الإخبارية - محمود ترك

هل يمكن لقصص حقيقية من واقع ملفات المخابرات العامة المصرية أن تروى للمشاهد المصري والعربي لتصبح جزءًا من تشكيل وعيه وتصاغ بشكل مبسط دون أن تفقد عناصر الدهشة؟ وهل يمكن لسيرة مفكر وأديب أن تلمس قلوب البسطاء قبل المثقفين؟ هذا ما فعله يحيى العلمي، المخرج الذي امتلك رؤية نادرة ومهارة لتحويل أعقد الملفات وأعمق الشخصيات إلى دراما تنبض بالحياة وتصل لكل بيت، فهو مخرج بدرجة راوٍ كبير، أعاد رسم صورة الأبطال الحقيقيين على الشاشة، فقربهم إلى الناس، وجعل من قصصهم مصدر إلهام لا يقل تشويقًا عن الخيال.

في مثل هذا اليوم 5 يوليو من عام 1941، وُلِد واحد من أبرز المخرجين في تاريخ الدراما المصرية، وهو محمد يحيى العلمي عبد الرؤوف العلمي، بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وتخرج في كلية الحقوق بجامعة عين شمس عام 1962، لكنه لم يسلك طريق القضاء أو المحاماة، بل اختار درب الفن، فكان من أوائل المخرجين الذين استطاعوا أن يتركوا بصمة قوية في دراما المخابرات، ويعيدوا تشكيل صورة النجم أمام الجمهور.

عادل إمام في مسلسل "دموع في عيون وقحة"
من بوابة الجاسوسية.. صانع الملحمة الوطنية

في رصيده عملان يعدان من العلامات الفارقة في الدراما العربية، لا بسبب نجاحهما الجماهيري فقط، بل لتأثيرهما العميق في الوجدان المصري والعربي، وهما "دموع في عيون وقحة" و"رأفت الهجان"، وكلاهما مستمد من ملفات حقيقية لعمليات المخابرات المصرية.

في "دموع في عيون وقحة" الذي عُرِض عام 1980، قدم العلمي شخصية "جمعة الشوان" واسمه الحقيقي أحمد الهوان أحد أبطال المخابرات المصرية، وجسَّد دوره عادل إمام، ونجح المخرج في أن يكسر الصورة النمطية التي اعتادها الجمهور للنجم الكوميدي، مقدمًا إياه في دور وطني مؤثر مليء بالتضحية والإخلاص، ولم يكن المسلسل مجرد دراما عن التجسس، بل كان مرآة لوطنية رجل بسيط رفض بيع بلده رغم إغراءات المال والراحة.

وحقق العمل نجاحًا منقطع النظير، خصوصًا أنه كان يعد الأول من نوعه في الدراما المصرية، وبعدها بـ8 سنوات، جاء مسلسل "رأفت الهجان" المستوحى من حياة البطل رفعت الجمال، ليصنع ثنائية خالدة بين يحيى العلمي والنجم محمود عبد العزيز، وليعيد هو الآخر تشكيل ملامح هذا الفنان في أذهان الجمهور، الذي لم يعد يراه فقط كبطل رومانسي أو خفيف الظل، بل بطلًا حمل روحه على كفه في قلب إسرائيل.

اللافت أن العلمي لم يكن وحده خلف هذا النجاح، بل اختار في كلا المسلسلين التعاون مع المؤلف والروائي صالح مرسي، فشكلا معًا أحد أقوى الثنائيات في تاريخ الدراما الوطنية، ثنائية جمعت بين الحبكة المشوقة والعمق الإنساني، مع حسٍ إخراجي يوازن بين الإثارة والواقعية يحافظ على الحكاية الدرامية التي يلتف حولها الجمهور.

أحمد زكي في مسلسل "الأيام"
طه حسين

رغم تعلقه المبكر بالسينما، فإن يحيى العلمي وجد في الدراما التلفزيونية ملعبًا أكثر رحابة، ومن أبرز تجاربه في هذا السياق، مسلسل "الأيام" الصادر عام 1979، ويحكي قصة حياة عميد الأدب العربي طه حسين، الذي قاده لاكتشاف بعد آخر في شخصيته كمخرج.

في حوار سابق، روى العلمي أنه تلقى تكليفًا بإخراج المسلسل من تماضر توفيق، رئيسة التلفزيون المصري وقتها، ورغم تردده الأولي، إلا أن زيارته لابنة طه حسين، السيدة أمينة، حسمت الأمر، حين أخبرته بأنها تريد أن يعرف أبسط الناس من هو والدها، وهنا أدرك أن المسلسل يجب أن يصل للجميع، لا للنخبة فقط، فتحول بأسلوبه الإخراجي إلى ملحمة شعبية تحكى بالأغنية القصيرة والمشهد المكثف، ليصل طه حسين إلى كل بيت عربي.

وبعيدًا عن السير الذاتية ودراما الجاسوسية الجادة، تميز يحيى العلمي في نقل وصياغة حكايات عن العلاقات الاجتماعية وطبيعة المجتمع المصري، وثقافة الرجل الشرقي والمرأة المصرية، وبأسلوب خاص للغاية، تجلى في إخراجه لمسلسل "حكايات هو وهي" عام 1985، إذ جمع بين الموسيقى والدراما الاجتماعية بأسلوب الحلقات المنفصلة المتصلة، من خلال أداء ساحر لثنائي من العيار الثقيل وهما أحمد زكي وسعاد حسني ناقشت كل حلقة قضية من قضايا العلاقات بين الرجل والمرأة، في طرح جريء وجديد على الشاشة المصرية آنذاك.

يحيى العلمي ومحمود عبد العزيز وليلى علوي في فيلم "خليل بعد التعديل"
السينما.. حضور محدود لكن مؤثر

رغم أن العلمي لم يتوسع في السينما كما فعل في التلفزيون، إلا أن له بصمات مميزة، منها فيلم "تزوير في أوراق رسمية"، و"طائر الليل الحزين"، و"خليل بعد التعديل"، وكلها من بطولة محمود عبد العزيز، بالإضافة إلى فيلم "المرأة التي غلبت الشيطان" مع نور الشريف وشمس البارودي، وهي أعمال تنوعت بين الدراما النفسية والتشويق، وحملت رؤيته الإخراجية المميزة.

يحيى العلمي عبر أعماله الفنية نجح في أن يقدم قصص رموز الوطن سواء من أبطال المخابرات المصرية أو رجال الفكر، ويصيغها بشكل احترافي ومؤثر، ليكون من أوائل المخرجين الذين نجحوا في صياغة الوعي الوطني.