الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من الثورة إلى العدالة.. مصر ترسي دعائم الحماية الاجتماعية الحديثة

  • مشاركة :
post-title
سيدات مصريات مستفيدات من برنامج تكافل وكرامة

القاهرة الإخبارية - إسلام عيسى

منذ اندلاع ثورة 30 يونيو عام 2013، دخلت مصر مرحلة جديدة من البناء وإعادة ترتيب أولويات الدولة، كان في مقدمتها تحقيق العدالة الاجتماعية وتوسيع مظلة الحماية للفئات الأكثر احتياجًا، فقد أدركت القيادة السياسية أن استقرار المجتمع لا يتحقق إلا بضمان حياة كريمة للمواطنين، وتخفيف أعباء الفقر، وتقليل الفجوة بين طبقات المجتمع، وعلى هذا الأساس، شهدت منظومة الحماية الاجتماعية طفرة غير مسبوقة في حجم الإنفاق والبرامج المستحدثة، التي امتدت لتشمل الجوانب الاقتصادية والصحية والتعليمية والسكنية.

وأطلقت الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ عام 2014 سلسلة من المبادرات الطموحة، أبرزها برنامج "تكافل وكرامة"، الذي وفّر دعمًا نقديًا مباشرًا للأسر الفقيرة وكبار السن وذوي الإعاقة، وبرنامج "حياة كريمة" الذي استهدف تطوير الريف المصري والارتقاء بمستوى الخدمات والبنية التحتية وتحسين مستوى المعيشة لما يقرب من 60 مليون مواطن.

كما توسعت مظلة التأمين الصحي، وتم تدشين منظومة التأمين الصحي الشامل لتقديم رعاية صحية متكاملة لجميع المواطنين دون تمييز.

وتوازت هذه الجهود مع سياسات إصلاح اقتصادي حظيت بدعم من المؤسسات الدولية، لتوفير مصادر تمويل مستدامة تضمن استمرار برامج الحماية الاجتماعية، وتقلل من آثار الإصلاح على محدودي الدخل، كما شهدت الدولة تحسنًا ملحوظًا في مؤشرات التنمية البشرية، وانخفاضًا تدريجيًا في معدلات الفقر، على الرغم من التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية.

وبينما تستمر الدولة في تطوير برامجها الاجتماعية، باتت الحماية الاجتماعية تمثل إحدى الركائز الأساسية للأمن القومي المصري، وأداة رئيسية لبناء مجتمع أكثر عدالة وتكافؤًا في الفرص، وبعد مرور أكثر من عقد على ثورة 30 يونيو، يقف ملف الحماية الاجتماعية شاهدًا على ما تحقق من إنجازات ملموسة في سبيل تمكين الإنسان المصري وتوفير حياة كريمة لكل مواطن.

كانت ثورة 30 يونيو عام 2013 بداية لقفزة غير مسبوقة في مخصصات الحماية الاجتماعية التي شهدت نموًا متسارعًا، حيث بلغت المخصصات في موازنة 2014/ 2015 نحو 100 مليار جنيه، بينما وصلت إلى 742.6 مليار جنيه عام 2025 /2026، أي بزيادة تتجاوز 500% خلال السنوات الماضية.

تغطي هذه المخصصات برامج الدعم التمويني، التأمينات الاجتماعية، الدعم النقدي، دعم الإسكان، الرعاية الصحية، إلى جانب المساعدات الاستثنائية وقت الأزمات، ويعكس هذا التوجه المالي إرادة سياسية واضحة في جعل العدالة الاجتماعية محورًا أساسيًا في عملية التنمية.

تكافل وكرامة

من أبرز التحولات بعد ثورة 30 يونيو، إطلاق وزارة التضامن الاجتماعي برنامج "تكافل وكرامة" في مارس 2015، كأداة مباشرة لدعم الأسر الفقيرة والمهمشة، حيث ارتفع عدد المستفيدين من نحو 1.7 مليون أسرة في بدايات البرنامج إلى أكثر من 5.2 مليون أسرة تضم 20 مليون مواطن، وذلك حتى مطلع يونيو الجاري، يتلقى 4.7 مليون أسرة منهم الدعم عن طريق وزارة التضامن الاجتماعي، بينما يتلقى 500 ألف أسرة الدعم عن طريق عدد من مؤسسات التحالف الوطني للعمل الأهلي.

وخصصت الدولة المصرية في موازنة 2025/ 2026 نحو 54 مليار جنيه مخصصة لبرنامج "تكافل وكرامة" (بزيادة تتراوح بين 35% – 36% مقارنة بالعام السابق نحو 31.4 مليار جنيه) وذلك لتلبية احتياجات الفئات المستهدفة التي تشمل غير القادرين على الكسب من النساء الأرامل والمطلقات، كبار السن فوق 65 عامًا، ذوي الإعاقة، الأيتام، وأسر الأطفال في مراحل التعليم الأساسي، وساهم البرنامج في تحسين مؤشرات الفقر والتعليم والصحة بين المستفيدين، بحسب تقييمات محلية ودولية، من بينها تقارير البنك الدولي.

مواجهة الأزمات

أثبتت الدولة المصرية قدرتها على التحرك السريع لدعم الفئات الضعيفة أثناء الأزمات الطارئة

جائحة كورونا: تم صرف منحة استثنائية للعمالة غير المنتظمة بمقدار 500 جنيه شهريًا لمدة 6 أشهر، واستفاد منها أكثر من 1.6 مليون عامل.

 أزمة التضخم العالمية 2022 / 2023: أعلنت الحكومة عن مليارات الجنيهات كزيادات استثنائية للمستفيدين من "تكافل وكرامة"، إلى جانب رفع الحد الأدنى للأجور.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع ذوي الهمم
ذوو الهمم.. في قلب السياسات الاجتماعية

حظي أصحاب الهمم بمكانة متقدمة في أولويات الحماية الاجتماعية بعد 30 يونيو، حيث صدر قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، وهو أول قانون شامل من نوعه في مصر، كما تم إصدار أكثر من 1.5 مليون بطاقة خدمات متكاملة حتى منتصف 2025، وتشمل مزايا البطاقة: العلاج المجاني، الإعفاءات الجمركية، أولوية في الإسكان والتوظيف، ودمج تعليمي كامل.. وخصصت الدولة ميزانيات مستقلة لتهيئة البيئة التعليمية والوظيفية لاستيعاب الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن المجتمع بشكل كامل.

من الدعم إلى التمكين.. برامج تنموية مستدامة

تجاوزت جهود الدولة المصرية المفهوم التقليدي للرعاية الاجتماعية القائم على الإعانة، واتجهت إلى سياسات التمكين الاقتصادي والاجتماعي، من خلال برامج مستدامة: برنامج "فرصة": أنشأته وزارة التضامن حيث يعمل على تحويل الدعم إلى تمكين اقتصادي من خلال توفير تدريبات وفرص عمل لمستفيدي "تكافل وكرامة" القادرين على العمل. 

يهدف البرنامج إلى دمجهم في سوق العمل أو مساعدتهم في إقامة مشروعات صغيرة، بما يعزز استقلالهم الاقتصادي ويقلل الاعتماد على الدعم النقدي. مبادرة "سكن كريم": تعمل على تحسين المساكن والبنية الأساسية للأسر الفقيرة، خاصة في الريف، وقد استفادت منها أكثر من 250 ألف أسرة حتى الآن. 

 وتتكامل هذه البرامج مع مبادرة "حياة كريمة" التي تعد المشروع التنموي الأضخم في تاريخ مصر الحديث، وتستهدف تطوير 4584 قرية تخدم أكثر من 60% من سكان مصر، بتكلفة تقدر بـ 1.1 تريليون جنيه.

الرقمنة والحوكمة

شهدت منظومة الحماية الاجتماعية تطورًا ملحوظًا على صعيد الرقمنة والحوكمة، حيث أنشأت وزارة التضامن الاجتماعي قاعدة بيانات موحدة تضم أكثر من 33 مليون مواطن من الأولى بالرعاية وترتبط بأكثر من 25 جهة وهيئة حكومية، والتي تسهم في تيسير استخدام أدوات التحليل الإحصائي والتحقق الرقمي لتحديد الأسر المستحقة، وربط برامج الدعم بالرقم القومي، ما ساعد على تقليل ازدواجية الصرف وتحقيق الشفافية.

اهتمام دولي بالتجربة المصرية

حظيت التجربة المصرية في مجال الحماية الاجتماعية باهتمام وإشادة عدد من المنظمات الدولية والدول الشريكة، حيث اعتُبرت نموذجًا جديرًا بالدراسة، وقد استقبلت وزارة التضامن الاجتماعي عدة وفود رفيعة المستوى من منظمات دولية مثل: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، البنك الدولي، منظمة اليونيسف، الاتحاد الأوروبي، ومنظمة العمل الدولية (ILO)، كما زار وفد مشترك من البنك الدولي واليونيسف مقر وزارة التضامن في 2023، وأشاد بالمنظومة الرقمية، والربط بين الدعم النقدي والخدمات الصحية والتعليمية.

وأُدرجت مصر ضمن "التحالف العالمي للحماية الاجتماعية الشاملة" الذي أطلقته منظمة العمل الدولية والبنك الدولي. وتؤكد مؤشرات الأداء وبرامج الحماية الاجتماعية منذ 30 يونيو أن مصر تبني نموذجًا وطنيًا متكاملًا يقوم على الدمج بين الإغاثة والتنمية، والربط بين الدعم النقدي وسياسات التمكين الاقتصادي، مع ضمان عدالة التوزيع من خلال قواعد بيانات دقيقة وآليات رقمية متطورة.

 وبعد مرور 12 عامًا على ثورة 30 يونيو ورغم التحديات الإقليمية والدولية، نجحت الدولة المصرية في وضع الإنسان – لا سيما الفئات الأولى بالرعاية – في قلب استراتيجيتها التنموية، بما يعزز الاستقرار المجتمعي ويؤسس لاقتصاد أكثر عدالة وتكافؤًا. ومع استمرار هذا النهج، تمضي مصر بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر إنصافًا، عازمة على ألا تترك أحدًا خلف الركب، في وطن يتشارك فيه الجميع ثمار التنمية والعدالة الاجتماعية.