الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

سعاد حسني.. "سندريلا" صنعت من فنها مرآة للواقع بوجوه متعددة

  • مشاركة :
post-title
سعاد حسني

القاهرة الإخبارية - محمود ترك

"سعاد حسني بالنسبة لي أعظم إنسانة مثلت أمامها".. بهذه العبارة وصف النجم الراحل نور الشريف النجمة الراحلة التي تحل اليوم 21 يونيو ذكرى رحيلها، مؤكّدًا في حوار تلفزيوني أن التمثيل أمامها لم يكن مجرد عمل، بل اختبارًا لموهبة أي ممثل، فهي تجعل الإبداع يتجلى وتجبره على أن يستخرج الكثير من مخزون إبداعه.

نور الشريف مثل غيره من المبدعين والنقاد، تحدثوا عن موهبة سعاد حسني الفطرية، دون مبالغة أو مجاملة، لكن هذه الموهبة التلقائية التي ولدت بها، وجذبت اهتمام الشاعر المصري عبدالرحمن الخميسي، ليقرر ضمها إلى فرقته المسرحية، لم تكن فقط العامل الوحيد الذي جعلها تستحق لقب "السندريلا" وتصبح واحدة من أبرز نجمات السينما العربية، بل أيضًا امتلاكها جرأة تقديم أدوار مغايرة بعيدة عن دور الفتاة المثالية، وكذلك تمتعها بذكاء التحول والتنقل بين الأدوار المختلفة.

من زوزو إلى شفيقة

24 سنة مرت على رحيل سعاد حسني، ولا يزال حضورها متوهجًا، بفضل الجرأة الفنية التي أضافت الكثير إلى ملامح مشوارها الفني، إذ لم تعتمد فقط على الموهبة الفطرية، بل ذهبت إلى تجسيد شخصيات لنماذج نسائية متباينة، كانت كل واحدة منهن عالمًا كاملًا، من الفلاحة البسيطة في "حسن ونعيمة" إلى الطالبة المتحررة في "خلي بالك من زوزو" والتي تعاني من ازدواجية معايير المجتمع، ومن الفتاة الشقية في "إشاعة حب" إلى المرأة الريفية التي تواجه الظلم في "الزوجة الثانية".

وعلى النقيض من بعض النجمات، خصوصًا في فترة السبعينيات من القرن الماضي، لم تتهرب من تقديم شخصية سيئة السمعة أو غير مثالية، بل آمنت بأن الفن لا يُجمِّل بل يواجه.

سعاد حسني وأحمد مظهر في "القاهرة 30"

في "القاهرة 30"، جسدت دور إحسان طالبة في معهد التربية، تنتمي إلى أسرة فقيرة وتقع ضحية مجتمع فاسد، تتشابك تفاصيل مرارة حياتها بين الفقر والحاجة من جهة، وجمالها الذي يجذب الرجال من جهة أخرى، وتقع إحسان في حب علي، وهو طالب ثوري، ولكنها تدخل في علاقة غير شرعية مع شخص ذي نفوذ لكي تؤمن معيشة عائلتها، وتتزوج من محجوب عبد الدايم الذي يقبل أن يصبح ستارًا لهذه العلاقة، كجزء من صفقة للحصول على وظيفة.

يعكس دورها في الفيلم الصراع بين القيم الأخلاقية والمادية، ليصبح الفيلم الذي تدور أحداثه في ثلاثينيات القرن العشرين واحدًا من أبرز أعمالها السينمائية.

وفي "بئر الحرمان"، خاضت مغامرة نفسية فريدة بتجسيد شخصية مزدوجة تعيش انفصامًا حادًا بين ناهد الطالبة الهادئة وميرفت فتاة الليل، أما في "غروب وشروق"، فخلعت رداء البراءة لتقدم دور الزوجة المتآمرة، بينما ذهبت مع فيلم "شفيقة ومتولي" لتجسيد دور فتاة صعيدية جريئة، تهرب من قسوة العائلة والمجتمع، لتواجه مصيرها وسط رجال يتاجرون بجسدها وعواطفها.

سعاد حسني في "خلي بالك من زوزو"
واقعية الأداء.. من صلاح أبو سيف إلى بدرخان

كل دور جسدته سعاد حسني كان يحمل في طياته صراعًا وجوديًا، فلم تكن شخوصها تسير على وتيرة واحدة، بل تتأرجح بين الحلم والانكسار، الفضيلة والرغبة، القوة والضعف، وكان للمخرجين الواقعيين الدور الأبرز في توجيه موهبتها.

فمع صلاح أبو سيف، قدمت "القاهرة 30" الفيلم الذي اعتبرته بنفسها بداية النضج، وقالت عنه:" هذا أول فيلم أعمل فيه دور له أعماق.. وكان نقلة مهمة بالنسبة لي"، فالدور لم يكن سهلاً، لكنه رسَّخ سعاد كممثلة قادرة على الغوص في المناطق المظلمة من النفس البشرية

ومع علي بدرخان، زوجها السابق والمخرج الذي فهم خريطتها الإبداعية، صنعت بعضًا من أبرز أعمالها مثل "شفيقة ومتولي" و"الراعي والنساء"، وفي الأخير، جسدت دور وفاء، امرأة تعيش في عزلة نفسية وعاطفية خانقة، فتكشف لنا وجهًا آخر للألم، بلا بكاء أو صراخ، بل بنظرات تتكلم وحدها.

رحلت سعاد حسني في يونيو 2001، وترك فقدانها فراغًا لا يُملأ، فهي كانت أكثر من ممثلة، فهي مرآة لمجتمع، عبرت عن تفاصيله بوجوه وشخصيات متعددة.