حتى الأسبوع الماضي، كان من المعتقد السائد بين المفكرين العسكريين أن الصواريخ والقنابل على الرغم من كونها ضرورية للحرب الحديثة لكنها نادرًا ما تكون كافية لتحقيق النصر بمفردها، خاصة إذا كانت الأهداف الإستراتيجية للدول المتحاربة واسعة النطاق.
لكن فيما يعّد اختبارًا لحدود ما يمكن للقوة الجوية وحدها تحقيقه في الصراعات الإقليمية، هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية، في موجة تلو الأخرى، أهدافاً في مختلف أنحاء إيران.
في هذه الحالة، زعمت إسرائيل أن هدفها هو منع إيران من تطوير أسلحة نووية، سواءً بتدمير قدرتها على ذلك تدميرًا فعليًا، أو بإجبارها على التخلي عن طموحاتها النووية في إطار تسوية تفاوضية مع الولايات المتحدة؛ إضافة إلى هذا، دعا سياسيون إسرائيليون إلى إسقاط النظام الحاكم في طهران.
حسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، يبدو أن صناع القرار السياسي في إسرائيل يعتمدون على قدرة القوة الجوية على تحقيق النصر من دون الحاجة إلى عمليات برية، ربما باستثناء نشر عدد صغير من العملاء المدربين وجنود القوات الخاصة وضباط الاستخبارات الذين يساعدون في الغارات الجوية.
في الواقع، بالنسبة لإسرائيل، ليس أمامها خيارٌ يُذكر، فهي تفتقر إلى الإمكانيات اللازمة لشنّ عمليات برية واسعة النطاق بعيدًا عن حدود دولة الاحتلال، بل وضد عدوٍّ أضخم منها بكثير.
ورغم أن الولايات المتحدة، الحليف الدائم، لديها القدرة على ضرب المنشآت الإيرانية في أعماق الجبال، أو القيام بعمليات برية على الأراضي الإيرانية، لكن إدارة ترامب أبدت ترددًا كبيرًا في إرسال قوات برية إلى أي حرب خارجية.
يقول التقرير: "إذا نجحت إسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة أو بدونها، فقد يدفع ذلك إلى إعادة تقييم جدية لقدرات القوة الجوية الحديثة، التي ستتعزز فعاليتها بفضل الطائرات بدون طيار وتقنيات المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية الأكثر تطورًا".
حروب صعبة
يقول المؤرخون العسكريون إن الأمثلة على أن القوة الجوية وحدها أدت إلى تغيير النظام تكاد تكون معدومة، وتشير التجربة إلى أن الأمر يتطلب قوات برية أيضًا، أو على الأقل قوة برية كفؤة متحالفة مع المتمردين.
أيضًا، بينما يعتقد الفكر العسكري الراسخ أن السيطرة على السماء أمر حيوي للفوز في حرب تقليدية، لكن هذا ليس كافيًا.
في كتيبٍ صادرٍ عن القوات الجوية الأمريكية عام 1995 بعنوان "عشرة اقتراحاتٍ بشأن القوة الجوية"، كتب العقيد فيليب ميلينجر: "في الواقع، لم يُجبر تحقيق التفوق الجوي أي دولةٍ على الركوع بعد.. لذلك، يبقى القول إنّ التفوق الجوي عاملٌ ضروريٌّ، وإن كان غير كافٍ، لتحقيق النصر. إنه الخطوة الأولى الأساسية".
يؤيد هذا أن جميع الحملات الجوية الكبرى تقريبًا في التاريخ كانت جزءًا من حروب شملت قوات برية أيضًا.
من الأمثلة على ذلك الهجوم الخاطف الذي شنته ألمانيا النازية على بريطانيا، والقصف الإستراتيجي الذي شنته قوات الحلفاء على ألمانيا، والقصف الأمريكي المطوّل لفيتنام الشمالية، والأسابيع الأولى من الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق عام 1991، والقصف الروسي المستمر لأوكرانيا منذ عام 2022.
كما تضمنت الحملات الجوية لحلف شمال الأطلسي في يوغوسلافيا السابقة وأفغانستان وليبيا تعاونًا مع حلفاء محليين.
وفي مايو الماضي، تبادلت الهند وباكستان الضربات الجوية، كما تبادلتا القصف المدفعي.
نتائج غير حاسمة
هناك عدد قليل، إن وجد، من السوابق لصراع مسلح واسع النطاق تتبادل فيه دولتان الضربات عبر القوة الجوية وحدها، وبين إسرائيل وإيران، تركز الضربات على العناصر التي يُمكن أن يُؤدي تدميرها إلى النصر، مثل الإنتاج العسكري أو القيادة والسيطرة.
وتتبادل إسرائيل وإيران الضربات سرًا وعلانيةً منذ سنوات، ومنذ عام 2023، يخوض البلدان حربًا غير مباشرة، عبر جماعات مدعومة من إيران في المنطقة، وحربًا مباشرة عبر تبادل وابل من الصواريخ والغارات الجوية العام الماضي.
وبعيدًا عن الصدام الإسرائيلي الإيراني، ربما تكون أقرب سابقة لحرب جوية بحتة هي معركة إسرائيل مع جماعة الحوثي في اليمن منذ عام 2023. فقد تضمنت تبادلًا للصواريخ بعيدة المدى وغارات جوية.
لكن نادرًا ما حققت الحملات الجوية التي لم تكن تحضيرًا لعملية برية نتائج حاسمة، بل غالبًا ما فشلت في تحقيق ما طمح إليه مخططوها، أو -كما حدث مع قصف الحلفاء للمدن الألمانية- ظلت فعاليتها محل جدل حاد منذ ذلك الحين.
حتى الحملة الجوية لحلف شمال الأطلسي في كوسوفو، والتي لعب فيها المتمردون المحليون دورًا ثانويًا، لم تُلحق ضررًا بالغًا بجيش صربيا المُخبأ جيدًا، واستغرقت وقتًا أطول بكثير من المتوقع لإجبار الصرب على الانسحاب.
بل عندما شنت إسرائيل حملة جوية مكثفة ضد حزب الله في عامي 2023 و2024، غزت أربع فرق من الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، كما ساهم الموساد أيضًا في نجاح إسرائيل من خلال تفجير أجهزة الاتصال الخاصة بكوادر حزب الله.