صداع محتمل وخلاف وشيك يلوح في الأفق بين بريطانيا، التي لم تهنأ كثيرًا بتقاربها مع واشنطن في حرب الرسوم الجمركية، بعد خطوة لندن التي اتخذتها بفرض عقوبات على وزيري الأمن القومي والمالية الإسرائيليين المتطرفين، إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش.
وحثت الولايات المتحدة، بريطانيا على التراجع عن العقوبات المفروضة على وزراء إسرائيليين من اليمين المتطرف، في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، قائلًا: "إن الإجراءات ضد إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش لن تساعد في إنهاء الحرب بغزة".
وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في تصريحات له، إن تجميد الأصول وحظر السفر على إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، لا يعززان الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتحقيق وقف إطلاق النار وإعادة جميع المحتجزين إلى ديارهم وإنهاء الحرب.
وسبق العقوبات المفروضة، بيان مشترك لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، مايو الماضي، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني، قال فيه إن إسرائيل مُعرضة لخطر انتهاك القانون الدولي.
لندن تقود العقوبات
وقادت المملكة المتحدة كلًا من كندا وأستراليا ونيوزيلندا والنرويج إلى فرض عقوبات على وزارء اليمين المتطرف الإسرائيلي، وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، في بيان مشترك، مع وزراء خارجية آخرين: "إن بن جفير وسموتريتش حرضا على العنف المتطرف والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الفلسطيني"، وأضاف أن العقوبات ستُحاسب المسؤولين، بحسب تايمز البريطانية.
وتعني هذه العقوبات منع سموتريتش وبن جفير من دخول بريطانيا، ومنع أي مؤسسة مالية مقرها المملكة المتحدة من التعامل معهما، وهي مماثلة للعقوبات المفروضة على شخصيات روسية بارزة مرتبطة بالحرب في أوكرانيا.
ووصفت إسرائيل هذه العقوبات بأنها "مُشينة"، بعد أن قال متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية: "من المُشين أن يخضع نواب منتخبون وأعضاء في الحكومة لمثل هذه الإجراءات".
ويسود شعور بين الأوساط الدبلوماسية العالمية، كما هو الحال مع إعلان العقوبات، أمس الثلاثاء، بأن الاعتراف بدولة فلسطينية سيكون له الأثر الأكبر إذا تم بالتنسيق مع الحلفاء، وفق صحيفة "تليجراف" البريطانية.
وتميل السياسة البريطانية إلى الاعتراف في نهاية المطاف بالدولة الفلسطينية، إلا أن الحكومات المتعاقبة كانت مترددة في اتخاذ هذه الخطوة.
اتساع الخلاف بين واشنطن ولندن
ومن المؤكد أن خطوة الاعتراف بدولة فلسطين التي باتت بريطانيا على مقربة منها، خاصة مع محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بإقناع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، بها، ستزيد من اتساع الخلاف مع واشنطن بشأن إسرائيل.
ويتزايد الخلاف بين واشنطن ولندن، مع انتقاد لندن اللاذع إلى إسرائيل، وهو ما تتحفظ عليه واشنطن، وتقصر انتقاداتها على الوضع في غزة، بحسب "تليجراف".
بدوره؛ بعث السفير الأمريكي الجديد في إسرائيل مايك هاكابي، رسالة مختلفة بدأت وكأنها سحب الدعم الأمريكي للدولة الفلسطينية بشكل شبه كامل، بعدما سُئل عما إذا كان حل الدولتين لا يزال هدفًا للسياسة الأمريكية، كما كان الحال منذ عقود، قال: "لا أعتقد ذلك".
وأشار إلى أنه يفضل أن يرى وطنًا قانونيًا للفلسطينيين على أرض دولة إسلامية وليس في الضفة الغربية (المحتلة)، حيث تعيش الأغلبية حاليًا.
حماية حل الدولتين
ومن جانبه؛ قال هاميش فالكونر، وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني، أمس الثلاثاء: "الحقيقة أن انتهاكات حقوق الإنسان والتحريض على العنف والخطاب المتطرف تأتي من أفراد يشغلون مناصب وزراء في الحكومة الإسرائيلية، يجب أن نحاسبهم ونحمي جدوى حل الدولتين".
في بيانٍ له أمام أعضاء البرلمان، قال: "العنف والخطاب مقلقان للغاية، فهو اعتداء ليس فقط على المجتمعات الفلسطينية بل على أسس حل الدولتين، إنها محاولة لترسيخ واقع الدولة الواحدة حيث لا توجد حقوق متساوية".
وفي معرض ردّه على تحذيرات للحكومة الإسرائيلية بشأن مخاوف المملكة المتحدة، قال فالكونر، إن عقوبات أمس الثلاثاء، تُظهر أننا "عندما نقول شيئًا، فإننا نعنيه".
ويجسد وزيرا المالية والأمن القومي الإسرائيليان، الصورة الأكثر وضوحًا للتطرف في إسرائيل، بعد أن وافق سموتريتش على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، وشن حملة ضد السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وأثار ذلك ردًا غاضبًا من نتنياهو، الذي اتهمهم بتأجيج معاداة السامية، قائلًا: "أقول للرئيس ماكرون، ورئيس الوزراء كارني، ورئيس الوزراء ستارمر، عندما يشكركم القتلة الجماعيون، والمغتصبون، وقاتلو الأطفال، والخاطفون، أنتم في الجانب الخطأ من العدالة. أنتم في الجانب الخطأ من الإنسانية، وأنكم في الجانب الخطأ من التاريخ".
آلة التطرف الإسرائيلية
ويعد سموتريتش وبن جفير من الأعضاء الأقوياء في الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو ومن القوميين المتطرفين الذين طالبوا منذ فترة طويل بضم الضفة الغربية.
وقال، الشهر الماضي، إن "غزة ستُدمر بالكامل" وإن الفلسطينيين سيغادرون بأعداد كبيرة إلى دول ثالثة، ودعا بن جفير إلى طرد الفلسطينيين من غزة، وقال العام الماضي: "يجب أن نشجع الهجرة الطوعية لسكان غزة".
وتعتقد بريطانيا أن المستوطنين المتطرفين نفذوا نحو ألفي هجوم على المدنيين الفلسطينيين، منذ يناير الماضي 2024، قال نتنياهو وبن جفير: "حاولت بريطانيا سابقًا منعنا من استيطان مهد وطننا، ولن نسمح لها بذلك مجددًا. نحن عازمون على مواصلة البناء".
خطوة المحافظين لم تكتمل
وكان بن جفير وسموتريتش على وشك التعرض لعقوبات من قبل الحكومة المحافظة، العام الماضي، إذ كشف اللورد كاميرون من تشيبينج نورتون، وزير الخارجية آنذاك، أنه كان يستعد لاستهداف سموتريتش وبن جفير، خلال أيامه الأخيرة في المنصب.
ويعيش 2.1 مليون فلسطيني في غزة على شفا المجاعة بعد حصار إسرائيلي دام 80 يومًا على الغذاء والوقود والأدوية، وفقًا لتقرير حديث للأمم المتحدة. وأسفر مخطط مثير للجدل، مدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل، لإيصال المساعدات باستخدام متعاقدين أمنيين أمريكيين، عن أكثر من 100 حالة وفاة، وفقًا للسلطات الصحية التي تديرها حماس.
وأمس الثلاثاء، استشهد 17 فلسطينيًا برصاص جنود إسرائيليين في أثناء توجههم للحصول على الغذاء من أحد مواقع التوزيع الأربعة التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية.