في سابقة خطيرة؛ بات تحقيق العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت معطلًا، بيد قرارات استثنائية لم يشهدها القضاء اللبناني من قبل، ومرهونًا بمصالحة في أفضل التقديرات، بين قطبين قضائيين من أكبر منفذي العدالة في البلاد.
قبل يومين استأنف المحقق العدلي، طارق البيطار، بشكل غير متوقع، التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بعد أن كفّت يده عنه -علق عمله به- لنحو 13 شهرًا، وادعى على 8 مسؤولين جدد بينهم النائب العام الحالي، غسان عويدات، وأخلى سبيل 5 من الموقوفين على ذمة القضية، التي تعود لعام 2020، فما كان من "عويدات" إلا واتخذ قرارًا، اليوم، بالإفراج عن جميع من تم اعتقالهم بشأن القضية، وادعى على "البيطار".
ويُنظر إلى انفجار مرفأ بيروت، الذي وقع في 4 أغسطس عام 2020 مخلفًا 215 قتيلًا وأكثر من 6500 جريح، على أنه أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم.
"سابقة خطيرة"
اعتبر المدعي العام اللبناني السابق، حاتم ماضي، في تصريحات خاصة لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن كِلا المسؤولين القضائيين أخطأ، واصفًا قراراتهما المتعاقبة بأنها "سابقة خطيرة"، متوقعًا في أفضل التقديرات انتهاء الأزمة غير المسبوقة، بمصالحة.
استئناف التحقيق "غير قانوني"
أكد المدعي العام اللبناني السابق، أن استئناف المحقق العدلي، طارق البيطار، يوم الاثنين، التحقيق بقضية مرفأ بيروت، غير قانوني، مضيفًا: "استئناف البيطار للتحقيق غير قانوني، لأن القاضي كفت يده، نتيجة اعتراض تقدم به أكثر من فريق، فالقانون اللبناني عندما يطلب من القاضي، رده، بمجرد أن يتسلم القاضي طلبًا رسميًا، تكف يده عن الملف، لكن القاضي المعني، أعاد الملف (استئناف القضية) وهو لا يزال مكفوفًا يده عنه، وهذا التصرف لم يعد ضمن اختصاصه".
واعتبر " ماضي" ما أسند إليه البيطار استئنافه التحقيق من مواد قانونية، يعود لمواثيق دولية، وعاد وأكد على "وجود قانون لبناني واضح في هذا الشأن لكن "البيطار لم يطبقه".
وكان "البيطار" قد استأنف، يوم أمس، بشكل غير متوقع، تحقيقه في الانفجار بعد تدخل سياسي رفيع المستوى وشكاوى قانونية تسببت في توقف التحقيق لأكثر من عام، وأرجع المحقق العدلي، قرار استئنافه التحقيق بالاستناد إلى مواد قانونية، مؤكدًا في بيان: "إن شخص المحقق العدلي مرتبط بالقضية التي ينظر فيها، فإذا أقيل المحقق العدلي تنتهي القضية"، وذلك وفق الوكالة اللبنانية الرسمية للأنباء.
وأكد "البيطار"، في البيان، أنه يمكن للمحقق العدلي، أن يدعي على جميع الأشخاص دون طلب الإذن من أي جهة، مستندًا للمادة 356 من قانون أصول المحاكمات الجزائية في لبنان.
وبإعلانه استئناف التحقيق قرر المُحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، الادعاء على ثمانية أشخاص جدد، من بينهم المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، وقائد الجيش اللبناني السابق جان قهوجي، والنائب العام التمييزي الحالي، غسان عويدات.
أصول الادعاء
وعن قرارات النائب العام الحالي في لبنان، غسان عويدات، أكد سلفه السابق، في تصريحاته لموقع "القاهرة الإخبارية" أن "عويدات"، ارتكب مجموعة من الأخطاء، أولها أنه اعتبر الأمر خصومة شخصية، رغم أن الإجراء ضمن صلاحيات "البيطار"، واتخذ بناء على ذلك قرارًا غريبًا بإخلاء سبيل جميع الموقوفين على ذمة التحقيق في القضية، وهو أمر خارج صلاحيات النائب العام، على حد قوله.
وأضاف "ماضي" أن الخطأ الثاني هو أن "عويدات" ادعى على البيطار دون مراعاة أصول الادعاء. وتابع: "أخيرًا، النائب العام تنحى في وقت سابق عن الملف، فكيف عاد واتخذ تلك القرارات، وهو موقف غير قانوني، مثلما اتخذ المحقق العدلي "البيطار" موقفًا غير قانوني باستئنافه التحقيق في ملف كفت يده عنه".
كلا الطرفين على خطأ
في تقدير النائب العام السابق، أن كلا القطبين القضائيين أخطأ وعبر عن ذلك بقوله: "الأول عاد إلى ملفه ومازالت يده مرفوعة –يقصد قاضي التحقيق البيطار- والثاني عاد إلى ملف بعد أن كان تنحى عنه في وقت سابق واتخذ قرارًا ليس من صلاحياته – يقصد النائب العام عويدات- بالملخص كلاهما أخطأ".
مصالحة برعاية المجلس الأعلى
وباعتبار كلا المسؤولين القضائيين أخطأ في قراراته - استنادًا للتصريحات- بات أمر تحقيق العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت معطلًا، وكذلك أمر المكلومين على ذويهم ضحايا الحادث، وبالتبعية أمر المفرج عنهم، أخيرًا، على ذمة القضية، وأصبح الجميع في انتظار جهة قضائية أعلى تحسم أمر الأزمة غير المسبوقة، وفي هذا الشأن أكد النائب العام السابق، أن حل الأزمة مبني على "محاسبة الاثنين معًا - البيطار وعويدات - وأن ينظر في الأمر مجلس القضاء الأعلى والحكومة أو محكمة خاصة لحل الإشكال غير المسبوق".
بقاء "البيطار" يضمن سير التحقيق
وأضاف "ماضي": "في تقديري يمكن أن تتم مصالحة، ويستكمل البيطار التحقيق"، مؤكدًا أنه "بقاءه في مكانه من شأنه أن يكفل سير التحقيق، ولكن إذا استبدل بآخر، لا يريد أن يعمل، لن يكفل هذا تحقيق العدالة، لاسيما أن هذا الملف، كثيرون بمختلف أشكالهم وسلطاتهم لا يرغبون في أن يتم حسمه".
وبسبب أكثر من 20 دعوى رفعها تباعًا مدعى عليهم، بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون ضد القاضي "بيطار"، عُلّق التحقيق في الانفجار، في ديسمبر 2021، وكفت على إثرها يد القاضي عن استئناف التحقيقات حتى قراره المفاجئ.. فهل يستطيع أن يحسم القضية بعد عودته بمعركة قضائية هذه المرة؟