في أعقاب انهيار العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأغنى رجل في العالم إيلون ماسك، والتي بدت جلية أمس الخميس، لم يُخف السياسيون الأوروبيون شعورًا لم يشعروا به مؤخرا تجاه واشنطن، وهو "الشماتة".
ووفق النسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو"، استخدم رادوسلاف سيكورسكي، وزير الخارجية البولندي، النسخة الكلاسيكية من كلمة ألمانية للدلالة على الاستمتاع بمحنة شخص آخر.
وكتب الوزير البولندي على منصة "إكس" المملوكة لإيلون ماسك، موجهًا حديثه ملياردير التكنولوجيا: "انظر أيها الرجل العظيم، السياسة أصعب مما تظن"؛ وذلك في رد لاذع على ماسك، الذي سبق أن وصف سيكورسكي بـ "الرجل الصغير" في حرب كلامية على المنصة نفسها في مارس الماضي.
كما بدا أن تييري بريتون، المفوض السابق للسوق الداخلية في أوروبا -الذي اصطدم مرارًا وتكرارًا مع كل من ماسك وترامب- يستمتع أيضًا بالخلاف بينهما، حيث نشر رمزًا تعبيريًا للعينين ورمزًا تعبيريًا للفشار في الوقت الذي يتبادل الرئيس الأمريكي ومستشاره المقرب السابق وكبير المانحين الانتقادات اللاذعة.
انهيار سريع
كان انهيار العلاقة بين ترامب وماسك متوقعًا منذ فترة طويلة. وتلفت "وول ستريت جورنال" إلى أنه حتى بعض المقربين من الرجلين اعتقدوا سرًا أن علاقتهما محكوم عليها بالانهيار "لكن التصعيد السريع والمتتالي شكل صدمة للبيت الأبيض الذي اعتاد على القرارات غير المتوقعة، وللرئيس الذي دافع عن ماسك في كثير من الأحيان بينما كان مساعدوه يشعرون بالإحباط".
عندما تحدث مساعدوه عن ماسك بسخرية في مرحلته الأخيرة في البيت الأبيض، كان ترامب إيجابيًا بشكل عام تجاهه، حتى في جلساته الخاصة. لكن اختلف الاثنان حول الموظفين والرسوم الجمركية.
قال مساعدو الرئيس إن ترامب "استمع إلى شكاوى وزراء الحكومة بشأن ماسك، وأبدى انزعاجه منه أحيانًا، لكنه كان لطيفًا معه بشكل عام خلف الكواليس. وعلى الرغم من أن ماسك اختلف مع كبار مساعدي ترامب، إلا أنه كان قد خفف من حدة التوترات إلى حد كبير بحلول وقت رحيله".
لكن إحباط ماسك تجاوز التشريع، بعد أن صرّح لمساعديه بأنه غاضب من قرار ترامب سحب ترشيح جاريد إيزاكمان، حليف ماسك، لرئاسة ناسا. وخلال اجتماع في قاعة طعام المكتب البيضاوي يوم الجمعة قبل توديع ماسك، سلّم مساعد ترامب، سيرجيو جور، ترامب ملفًا بناءً على طلب الرئيس يتعلق بتبرعات إيزاكمان للديمقراطيين، بينما دافع ماسك عن صديقه وحاول التقليل من أهمية التبرعات.
لكن حتى نهاية يوم الخميس، كانت سيارة "تسلا" الحمراء اللامعة، التي اشتراها ترامب خلال جلسة تصوير مع ماسك، لا تزال في موقفها، على بُعد أمتار قليلة من المكتب البيضاوي، حيث لم يقرر بعد مصير السيارة.
ماذا حدث؟
قبل ستة أيام فقط، كتم كبار مساعدي ترامب غضبهم من إيلون ماسك، وخططوا لحفل وداعٍ وديّ له في المكتب البيضاوي. وأطلعوا الرئيس على مزاعم تعاطي ماسك للمخدرات، ليكون ترامب مستعدًا للدفاع عن صديقه الملياردير إذا أثار الصحفيون هذه القضية في حفل وداعه.
وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، حتى مساء الأربعاء، قلّل ترامب من شأن أي خلافات مع ماسك في اجتماع مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، رغم أن الملياردير قضى الأيام القليلة الماضية ينتقد أجندة الرئيس التشريعية.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع في البلاد، وبعد أن أقال ترامب حليف ماسك من منصبه كرئيس لوكالة ناسا، أوضح الرئيس لمساعديه أنه لا يخطط لمواجهة رفيعة المستوى مع مستشاره السابق.
لكن، اختفت تلك النية الحسنة مساء الخميس.
بعد مرور ثلاثة عشر دقيقة على بدء اجتماع في المكتب البيضاوي مع المستشار الألماني فريدريش ميرز، أعرب ترامب عن إحباطه تجاه ماسك، إيذانا ببدء يوم عاصف تحول فيه أقوى رجلين في البلاد من أصدقاء إلى أعداء.
وبحلول ليلة الخميس، كان ترامب قد لعب علنًا بفكرة قطع العقود الحكومية عن شركات ماسك، وقال إن الملياردير "أصيب بالجنون"، وألمح إلى أنه يعاني من "متلازمة اضطراب ترامب".
ردًا على ذلك، طرح ماسك فكرة تأسيس حزب سياسي جديد، واقترح عزل ترامب، وجادل بأن رسوم ترامب الجمركية ستؤدي إلى ركود اقتصادي. كما زعم أن اسم ترامب يظهر في وثائق صادرة عن تحقيق فيدرالي بشأن جيفري إبستين، المُدان بالاتجار بالبشر، مُلمّحًا إلى أن ترامب مرتبط بشكل ما بسلوكه الإجرامي.
صدام الخميس
قبيل الظهر، جلس ترامب في المكتب البيضاوي مع ميرز، وتبادلا أطراف الحديث حول مواضيع متوقعة مثل التجارة، وحلف الناتو، والحرب في أوكرانيا. بعدها، استغرق الأمر حوالي 13 دقيقة ليتحدث الرئيس عن راعيه الملياردير، معربًا عن استيائه من انتقاد ماسك لأجندته التشريعية باعتبارها باهظة التكلفة.
بدأ الأمر بهدوء. قال ترامب عندما سُئل عن انتقاد ماسك لمشروعه "الضخم والجميل" إنه "لطالما أحببتُ إيلون. أُفضّل أن ينتقدني إيلون على أن ينتقد مشروع القانون نفسه". ثم، سرعان ما صعّد ترامب من حدة خطابه "كانت علاقتي بإيلون رائعة. لا أعلم إن كانت ستستمر كذلك بعد الآن".
أيضًا، أشار الرئيس إلى أن مساعدة ماسك في حملته الانتخابية لم تُحدث فرقًا يُذكر في نتيجة الانتخابات. وقال: "أعتقد أنني كنت سأفوز في بنسلفانيا على أي حال".
وبينما كان ترامب يتحدث عن الولاية المتأرجحة، أومأت رئيسة موظفي البيت الأبيض، سوزي وايلز، برأسها بقوة. كان ذلك تذكيرًا بصريًا بمدى غضب ماسك الشديد من موظفي الجناح الغربي، حيث أصبح ترامب المدافع الرئيسي عنه.
قبل انتهاء الحديث في المكتب البيضاوي، انتقل الصراع إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كتب ماسك: "لولا وجودي، لكان ترامب قد خسر الانتخابات، ولسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب، ولحصل الجمهوريون على 51 مقعدًا مقابل 49 مقعدًا في مجلس الشيوخ"، مضيفًا: "يا له من جحود".
وقبل الساعة الثانية ظهرًا بقليل (بتوقيت شرق الولايات المتحدة)، نشر ماسك استطلاع رأي على موقع "إكس" يسأل فيه أكثر من 200 مليون من متابعيه عما إذا كان الوقت قد حان لإنشاء حزب سياسي جديد من شأنه أن يمثل معظم أنحاء البلاد بشكل أفضل. وفي غضون دقائق، نشر مارك كوبان، رجل الأعمال الملياردير الذي راودته فكرة الترشح للرئاسة، على وسائل التواصل الاجتماعي ثلاث علامات اختيار بجوار اقتراح ماسك بتأسيس حزب ثالث.
اقترح ستيف بانون، أحد مؤيدي ترامب والمؤثرين في قاعدة الرئيس، في بودكاسته ضرورة التحقيق في وضع ماسك المتعلق بالهجرة. وُلد ماسك في جنوب إفريقيا.
وردًا على منشور على وسائل التواصل الاجتماعي من محافظ بارز يقول إن الجمهوريين قد يضطرون إلى اختيار أحد الرجلين، كتب ماسك، "وهناك بعض الطعام للفكر وهم يتأملون هذا السؤال: لقد تبقى لترامب 3.5 سنوات كرئيس، لكنني سأبقى موجودًا لأكثر من 40 عامًا".
سخرية وهجوم
ووصلت السخرية من ترامب إلى حد أن والدة أحد أطفال ماسك أدلت برأيها. حيث سألت آشلي سانت كلير، التي كانت لها معركة فوضوية مع ماسك بشأن الأبوة، الرئيس على قناة "إكس" عما إذا كان "يحتاج إلى مساعدة في إنهاء العلاقة"، وكتبت: "أعلمك إذا كنت بحاجة إلى أي نصيحة بشأن الانفصال".
وبحلول الساعة 2:37 مساءً، رفع ترامب سقف التوقعات، ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي أن "أسهل طريقة لتوفير المال" في الميزانية الفيدرالية هي "إنهاء" العقود الحكومية الممنوحة لشركات ماسك.
وكتب ترامب: "لطالما فوجئت بأن بايدن لم يفعل ذلك"؛ ثم أضاف في منشور منفصل أن ماسك كان "يعاني من نقص الموارد" وقال إن الملياردير "أصيب بالجنون" عندما أيد ترامب محو فوائد السيارات الكهربائية.
وردّ ماسك على ذلك بالقول إنه سيُوقف تشغيل مركبة "سبيس إكس" المُستخدمة لنقل رواد الفضاء الأمريكيين ذهابًا وإيابًا من محطة الفضاء.
وبحلول الثالثة عصرًا شنّ ماسك هجومًا حادًا. وكتب حوالي الساعة الثالثة وعشر دقائق: "حان وقت إلقاء القنبلة الكبرى. دونالد ترامب موجود في ملفات إبستين. هذا هو السبب الحقيقي لعدم نشرها"، مضيفًا: "أتمنى لك يومًا سعيدًا"؛ في إشارة إلى ملفات من تحقيق فيدرالي في مزاعم الاتجار الجنسي والاعتداء الجنسي من قِبل إبستين، الذي انتحر عام 2019، وكانت له صلات معروفة بالعديد من نخبة مجتمع نيويورك، بمن فيهم ترامب.
وبعد الساعة الرابعة عصرًا بقليل، أعاد ماسك منشور يدعو إلى عزل ترامب وتعيين نائب الرئيس جيه دي فانس رئيسًا، مضيفًا كلمة "نعم" تأكيدًا على ذلك.