أنهى إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، مهمته الحكومية الرسمية الأربعاء الماضي، بعد ثلاثة أشهر مضطربة من العمل مستشارًا غير مدفوع الأجر للرئيس دونالد ترامب، وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، ترك ماسك واشنطن وسط تراجع نفوذه وفشله في تحقيق وعوده الطموحة، لكنه تركها أيضًا مع شبكة قوية من الحلفاء المؤثرين في مواقع حكومية إستراتيجية، يمكنها حماية مصالح شركاته لسنوات قادمة.
فشل تحقيق الوعود الكبرى
عندما وقف ماسك أمام حشد من المحافظين رافعًا منشارًا كرمز لخططه لتقليص الإنفاق الحكومي، وعد بتحقيق وفورات بقيمة تريليون دولار من الميزانية الفيدرالية، إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا، إذ كشفت "نيويورك تايمز" عن أن وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE) التي قادها ماسك حققت فقط 18% من هدفها، بوفورات تبلغ 175 مليار دولار عند مغادرته.
والأكثر إثارة للجدل أن 47% من العقود التي تم إلغاؤها لم توفر للدافعين أي أموال على الإطلاق.
واجهت الوزارة انتقادات حادة بسبب الأخطاء المتكررة في البيانات، بما في ذلك الخلط بين "المليار" و"المليون"، والتباهي بإلغاء عقود كانت ميتة بالفعل منذ سنوات، كما واجهت عشرات الدعاوى القضائية التي أوقفت العديد من قراراتها.
وعلق دومينيك ليت، المحلل السياسي في معهد كاتو الليبرالي، قائلًا: "كانت نية وروح وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE) ممتازة، لكنها فشلت بوضوح في تحقيق أهدافها".
رغم ذلك، نجحت المجموعة في فصل نحو 20 ألف موظف اختباري وإجبار عشرات الآلاف على ترك وظائفهم طوعيًا، ما أحدث اضطرابات كبيرة في الخدمات الحكومية.
شبكة الحلفاء الإستراتيجية
رغم مغادرة ماسك منصبه الرسمي، إلا أن تأثيره في واشنطن سيستمر من خلال شبكة قوية من الحلفاء الذين تم تعيينهم في مناصب حكومية حاسمة، وبحسب الصحيفة الأمريكية، تم اختيار حلفاء ماسك لإدارة وكالة ناسا والقوات الجوية، وهما من أكبر عملاء شركة "سبيس إكس"، بالإضافة إلى لجنة الاتصالات الفيدرالية التي تنظم أعمال شركاته.
هذا التموضع الإستراتيجي للحلفاء يضمن استمرار تدفق العقود المربحة لشركات ماسك، خاصة "سبيس إكس" التي يمكنها الفوز بمليارات الدولارات من العقود الجديدة إذا تمت الموافقة على اقتراح ميزانية ترامب من قبل الكونجرس، خاصة خطط بناء نظام دفاع صاروخي جديد يُطلق عليه "القبة الذهبية"، وتسريع جهود ناسا لإرسال رواد فضاء إلى المريخ.
معاملة تفضيلية
تلقت شركات ماسك، وخاصة سبيس إكس، معاملة تفضيلية واضحة خلال فترة وجوده في الإدارة، إذ وافق وزير النقل شون دافي، في جلسة تأكيد تعيينه، على إعادة النظر في غرامات السلامة البالغة 633 ألف دولار المفروضة على "سبيس إكس" من إدارة بايدن السابقة.
واستمرت إدارة الطيران الفيدرالية في الموافقة على تراخيص الإطلاق لسبيس إكس، حتى بعد حادثتين أخيرتين انفجر فيهما صاروخها الجديد "ستارشيب" فوق البحر الكاريبي، ما أجبر الطائرات على تغيير مسارها لتجنب الحطام المتساقط.
وعندما سُئلت الوكالة عمّا إذا كان وجود ماسك في إدارة ترامب أثَّر في تعاملها مع سبيس إكس، جاء ردها بكلمة واحدة: "لا".
كما كشفت وزارة العدل، في فبراير، عن تحركها لإسقاط قضية ضد "سبيس إكس" تتعلق بالتمييز على أساس الجنسية، والتي رُفعت لأول مرة في 2023.
والمثير للاهتمام أن بريت شوميت، المسؤول الكبير في وزارة العدل، قدم مذكرة قانونية منفصلة للدفاع عن عمل ماسك في وزارة الكفاءة الحكومية، قبل ثلاثة أيام من تقديم وثيقة إسقاط القضية ضد "سبيس إكس".
تقليص الرقابة البيئية
سجلت فترة عمل ماسك في الحكومة أيضًا تراجعًا في الرقابة البيئية على أنشطة سبيس إكس في جنوب تكساس، إذ كان لدى دائرة الأسماك والحياة البرية موظفان محليان يراقبان بانتظام أنشطة "سبيس إكس" في المنطقة منذ بدء العمليات التجريبية هناك في 2019، بحسب "نيويورك تايمز".
كان هذان البيولوجيان يثيران أسئلة حول الأضرار التي تسببها سبيس إكس للأراضي المحمية المجاورة، بما في ذلك الحرائق الناجمة عن أخطاء الإطلاق والأضرار التي لحقت بأعشاش الطيور من الأنواع المهددة، إلا أن أحدهما تقاعد، ونُقل الثاني في أواخر العام الماضي إلى منصب جديد.
وعلق جيم تشابمان، عضو مجلس إدارة SaveRGV، وهي مجموعة بيئية في جنوب تكساس، قائلًا: "لا توجد رقابة حقيقية مستمرة هناك على أساس منتظم الآن".
وعندما أُرسلت رسالة إلكترونية للمتحدثة المدرجة على موقع الوكالة كجهة اتصال إقليمية، ارتدت الرسالة مع إشعار بأنها لم تعد تعمل لدى دائرة الأسماك والحياة البرية.
خسائر تسلا وتراجع النفوذ
بينما استفادت سبيس إكس من وجود ماسك في الحكومة، عانت شركة تسلا من تداعيات مواقفه السياسية المثيرة للجدل، وأشارت "نيويورك تايمز "إلى تراجع مبيعات الشركة في الولايات المتحدة وخارجها، نتيجة رد الفعل العكسي على سياسات ماسك والمنافسة المتزايدة من صانعي السيارات الكهربائية الآخرين.
في المملكة المتحدة، ظهرت ملصقات مناهضة لماسك تُظهر صورة لأغنى رجل في العالم وهو يخرج من سقف سيارة تسلا ويده تشير إلى أعلى في تحية بذراع مستقيمة.
وكُتب على الإعلان: "تنطلق من 0 إلى 1939 في 3 ثوانٍ"، في إشارة إلى العام الذي أعلنت فيه بريطانيا الحرب على ألمانيا النازية.
كما تعلم ماسك درسًا قاسيًا حول حدود نفوذه في أبريل، عندما أنفق هو ومجموعة حليفة أكثر من 25 مليون دولار لمساعدة المرشح المحافظ في سباق المحكمة العليا في ولاية ويسكونسن، لكن مرشحه خسر بشدة، ما جعل السباق استفتاءً على شخصه في ذروة نفوذ DOGE.
إرث معقد
غادر ماسك واشنطن شاكيًا من صعوبة العمل داخل البيروقراطية، قائلًا لصحيفة "واشنطن بوست": "وضع البيروقراطية الفيدرالية أسوأ مما كنت أدرك"، إلا أن رغم فشله في تحقيق وعوده الطموحة بتقليص الإنفاق الحكومي، يترك ماسك وراءه شبكة قوية من الحلفاء في مواقع إستراتيجية تضمن استمرار تدفق المنافع لشركاته، خاصة سبيس إكس، لسنوات قادمة.
وبينما انتهت فترة ماسك الرسمية في الحكومة، تشير الصحيفة الأمريكية إلى أن تأثيره في السياسات والقرارات الحكومية قد يستمر من خلال الأصدقاء الأقوياء الذين تركهم خلفه في مواقع النفوذ.