"يمشي منحنيًا، وكتفاه مسحوبتان إلى الأمام، وذراعاه طويلتان للغاية، وعندما ننظر إليه، نشعر بأنه لا يعرف ماذا يفعل بهما"، هكذا وصفت أجهزة الاستخبارات التابعة لعصابات "الهاجاناه" الصهيونية، في تقرير صدر عام 1945، قائد منظمة "الإرجون" مناحم بيجن؛ والذي نُشر مؤخرًا ضمن عدة وثائق في ذكرى النكبة.
بعد بضع سنوات، صار بيجن، الذي كان يتميّز بمشيته غير المنتظمة، وكثيرًا ما يتعثر، رئيسًا لوزراء إسرائيل، التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية.
ورغم منصبه، سواء خلال قيادته لمنظمة "الإرجون" أو في أرفع مستويات السياسة الإسرائيلية فيما بعد، أشار التقرير إلى أنه كان "يرتدي أحذيةً واسعةً جدًا، وبنية قدميه غير طبيعية، ومهما كان ما يرتديه فإن ملابسه ليست أنيقة أبدًا، وشعره غير مُمشّط، إنه مهمل جدًا في هذا الجانب".
كما أوضح التقرير أنه "كل بضع دقائق، يُصدر صوت سعال خفيف، خاصةً أثناء المشي".
جبان وخائف
الوثيقة، التي كُتبت قبل نحو ثمانين عامًا، اختيرت من ملفٍ يضم مئات الصفحات المتعلقة بمراقبة الهاجاناه (الجيش السري الأكبر للجالية اليهودية قبل النكبة) لبيجن، نُشرت مؤخرًا بعد رفع الرقابة عمّا يُسمى بـ "ملف مناحم بيجن" الذي أتيح الاطلاع عليه في أوائل عام 2024؛ كما يشير تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية.
ولا تزال أجزاء من الملف خاضعة للرقابة، وفي الصفحات المنشورة، حُذفت تفاصيل مثل أسماء الجهات والأفراد المشاركين في كتابة التقارير، وإلى جانب المقاطع المحذوفة، توجد ملاحظة تفيد بأنه "لأسباب تتعلق بأمن الدولة، لن تتوفر الوثيقة كاملةً إلا بعد 90 عامًا من إعدادها"، أي في عام 2038.
تلفت الصحيفة إلى أنه رغم الدعم البريطاني للمنظمات الصهيونية؛ من أجل الاستيلاء على الأراضي المحتلة، كان الإرهاب الذي يمارسونه دفع السُلطات البريطانية لملاحقة بعضهم؛ لذا في عام 1945، اختفى بيجن خوفًا من الاعتقال.
وإلى جانب السلطات البريطانية، كانت "الهاجاناه"، الجيش السري الأكبر للجالية اليهودية قبل النكبة، والذي شكّل لاحقًا نواة الجيش الإسرائيلي، تراقب تحركاته؛ بسبب أنشطته المسلحة في الأراضي الفلسطينية. "وهناك وثيقة واحدة سُمح بنشرها تقول إن بيجن اعترف بأن منظمته تخطط للاستيلاء على أجزاء من البلاد".
لم يكتفِ تقرير عام 1945 بمجرد وصفٍ جسدي، بل ذكر عن شخصيته أنه "جبانٌ وخائف، لكنه في الوقت نفسه، يتمتع بجرأةٍ غير عادية".
وقال: "إنه قادرٌ على مقاطعة حتى متحدثٍ مشهور، ولا يهدأ إلا بعد إخراجه من القاعة، قد يُعطي انطباعًا بالشجاعة عندما يشعر بوجود قوةٍ ما خلفه، لكن بمجرد زوال الدعم، يتصرف كالفأر".
ووفق "هآرتس"، أظهرت الوثائق مخاوف لدى التنظيمات الصهيونية بشأن الأنشطة السياسية والعسكرية التي نفذها بيجن في الأراضي المحتلة خلال أربعينيات القرن العشرين، وحتى إعلان قيام الدولة العبرية، رغم الاتفاقية التي وقّعتها منظمة "الإرجون" ووزارة الدفاع في دولة إسرائيل الجديدة في الأول من يونيو 1948.
تنص الاتفاقية على تجنيد مقاتلي المنظمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتسليم أسلحتهم ومعداتهم ومنشآت تصنيعهم، بالإضافة إلى منعها من امتلاك بأسلحة جديدة.
وتُظهر الوثائق الواردة في الملف أن "الهاجاناه" تلقت تقارير تفيد بأن منظمة بيجن تنتهك الاتفاق بشكل ممنهج.
الاستيلاء على السلطة
تشير وثيقة سُمح بنشرها إلى اعتراف بيجن بأن منظمته خططت للاستيلاء منفردة على أجزاء من الأراضي الفلسطينية. ويتضمن التقرير ملخصًا لاجتماع يُزعم أنه عُقد في 30 يونيو 1948 بين بيجن وقادته الإقليميين.
وقال بيجن إنه "لو كان 5000 جندي من "الإرجون" مجهزين تجهيزًا جيدًا، لكانت المنظمة قد استولت على مساحة من الأرض ودافعت عنها ضد أي مهاجم -سواء كان يهوديًا أو عربيًا- ولكن نظرًا لضعف تسليحها، كان من الضروري تقديم تنازلات".
وذكر تقرير عن اجتماع لقيادة "الإرجون" في تل أبيب أن بيجن ذكر أن بعض الأسلحة قد سُلّمت لمقاتلي "الإرجون" في القدس، وبموجب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947، كان من المقرر أن تبقى القدس منطقة دولية وليست جزءًا من دولة الاحتلال؛ لذلك عملت "الإرجون" هناك كوحدة مستقلة.
أيضًا، رصدت "الهاجاناه" تصريحات متطرفة لشخصيات بارزة في دائرة بيجن، منها تصريحٌ في اجتماعٍ زُعم أنه عُقد في مطعمٍ في "بتاح تكفا" -أراضٍ سرقها اليهود من سكان قرية ملبّس العربية، ووفقًا للتقرير، فإن أحد الحاضرين "استاء من بيجن لثقته المفرطة بمؤسسات الدولة"، ثم "اقترح التحريض على حربٍ أهليةٍ وحمل السلاح في حال فشل الانتخابات المقبلة".
وذكرت وثيقة أخرى أن حاييم لانداو، أحد قادة "الإرجون" -والذي أصبح فيما بعد عضوًا في الكنيست ووزيرًا في حكومة الليكود- قال في اجتماع للمنظمة: "سنحتاج إلى الاستيلاء على السلطة مهما كان الثمن".
كما أشارت وثيقة سابقة من عام 1942 إلى أن أسنانه كانت "مُشوّهة، وأنفه طويل ومعوج". وكانت الشرطة "تبحث عنه"، وعرضت مكافأة لمن يُدلي بمعلومات عن مكانه، وتُشير الصفحة الثانية من الوثيقة إلى أن بيجن "أعلن رغبته في أن يكون ديكتاتورًا".