الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أحد أعمدة السينما الثورية.. رحيل الجزائري محمد الأخضر حمينا صاحب السعفة الذهبية

  • مشاركة :
post-title
المخرج الجزائري الراحل محمد الأحضر حمينا

القاهرة الإخبارية - محمود ترك

ودَّعت الأوساط الفنية الجزائرية والعالم العربي واحدًا من أعمدة السينما الثورية، وهو المخرج الكبير محمد الأخضر حمينا، عن عمر ناهز 91 عامًا. 

وبرحيله، تُطوى صفحة فنان مميز، مثَّل صوته الإبداعي أحد أبرز التعبيرات البصرية عن التاريخ الجزائري، إذ رصد بعيون السينما وجع الأرض والإنسان، ما قبل الثورة وما بعدها.

ولد حمينا في مدينة المسيلة عام 1934، وتفتح وعيه على وقع الاحتلال الفرنسي، فانحاز مبكرًا إلى المقاومة، ترك دراسته في القانون والزراعة بفرنسا، وانضم إلى الحكومة الجزائرية المؤقتة بتونس، حيث عمل في الإعلام، ومن هناك، بدأت ملامح مسيرته السينمائية تتشكل، حين أرسلته الحكومة الجزائرية إلى العاصمة التشيكية براج لتعلم الإخراج، وهو ما كان بداية لتحول كبير في مسيرته.

ورغم أنه لم يكمل دراسته رسميًا، إلا أن شغفه بالسينما قاده إلى العمل مباشرة في التصوير والإخراج، متأثرًا بقضايا وطنه، وبما رآه من معاناة شعبه تحت وطأة الاستعمار والفقر. 

قدم "حمينا" أفلامًا وثائقية عن نضال الجزائريين، منها "صوت الشعب" و"بنادق الحرية"، قبل أن يُكرَّس اسمه في تاريخ السينما العربية بفيلمه الطويل الأول "ريح الأوراس" عام 1966، الذي تناول فيه مأساة الجزائريين من زاوية إنسانية حادة، ونال إشادة نقدية في عدة مهرجانات دولية.

لكن اللحظة المفصلية في مشواره والتي نقلت اسمه إلى المحافل السينمائية العربية جاءت عام 1975، عندما حاز على جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي عن فيلمه التاريخي "وقائع سنين الجمر" Chronicle of the Years of Fire، الذي يناقش الأوضاع الاجتماعية والسياسية في الجزائر منذ 1939 حتى 1954، ليصبح أول عربي وإفريقي ينال هذه الجائزة المرموقة، وهو الإنجاز الذي ظل محتفظًا به حتى رحيله.

 الفيلم، الذي كتب وأخرج ومثَّل فيه، كان تأريخًا بصريًا لحياة المواطن الجزائري في ظل الاحتلال، مركزًا على مشاهد البؤس، وانتشار الأوبئة والجفاف، ليكشف جذور الغضب الشعبي الذي مهَّد للثورة.

بوستر فيلم "وقائع سنين الجمر"

جاءت وفاة حمينا متزامنة مع احتفال مهرجان "كان" باليوبيل الذهبي لفوزه بالسعفة الذهبية، وهو ما اعتبره الناقد طارق الشناوي "مشهدًا دراميًا" بامتياز، إذ رحل في اليوم نفسه الذي يحتفل فيه العالم بإنجازه السينمائي الأبرز، حسبما ذكر عبر حسابه بموقع "فيسبوك".

أعمال "صاحب السعفة الذهبية" حملت دومًا بعدًا سياسيًا وإنسانيًا، وواجه بسببها الكثير من الجدل، إذ اتُهم أحيانًا بانتقاد شعارات ما بعد الاستقلال، مثل الثورة الزراعية والثقافية، لكنه ظل مخلصًا لرؤيته التي تضع الإنسان في قلب الصورة، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء، وساهم مع جيله من المخرجين، مثل مرزاق علواش، في تأسيس سينما جزائرية تعكس نبض المجتمع وتحمل صوته إلى المحافل الدولية.

خلال مسيرته، شغل حمينا عدة مناصب رسمية في قطاع السينما بالجزائر، لكنه لم يتخل عن شغفه بالإخراج، وأخرج أعمالًا لافتة منها "ديسمبر" الصادر عام 1973، و"رياح رملية" الصادر عام 1982، و"الصور الأخيرة" الصادر عام 1986، قبل أن يغيب عن الساحة 3 عقود، ليعود عام 2014 بفيلم "غروب الظلال"، الذي مثل الجزائر في ترشيحات الأوسكار عام 2016.

تميزت أفلام المخرج الراحل ببصمة بصرية خاصة، تنهل من تقنيات السينما العالمية لكنها تنطق بلسان عربي وجزائري صميم، ولم تكن أفلامه مجرد توثيق، بل كانت أعمالًا فنية تنبض بالحياة والوجع، وتلتقط التفاصيل الصغيرة من يوميات الناس في القرى والمناطق المهمشة، وتمنحها قيمة جمالية وإنسانية.

وخيّم الحزن على الأوساط الفنية في الجزائر ومصر والعالم العربي بعد إعلان وفاته، ونعاه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، ووصف رحيله في بيان إعلامي بالفاجعة، مشيرًا إلى أن عملاق السينما العالمية محمد الأخضر حمينة توفي عشية احتفال الإنسانية بالذكرى الخمسين لظفره بالسعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي عن رائعته "وقائع سنوات الجمر" التي فتحت عيون العالم عن قطعة من معاناة الشعب الجزائري خلال فترة الاستعمار.

ونعته وزارة الثقافة الجزائرية في بيان، قالت فيه إن برحيله تفقد الجزائر قامة فنية شامخة، ومخرجًا رائدًا كرَّس حياته للفن الملتزم، وأثرى الذاكرة الوطنية بأعمال خالدة، جسَّدت نضال شعب، وهموم أمة، وجمال الصورة السينمائية الأصيلة.