نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تقريرًا وصفت فيه التطور الحادث في رد الفعل الأوروبي تجاه الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة بـ"تسونامي دبلوماسي"، وقالت إنه تطور غير مسبوق منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وتشهد الساحة الأوروبية حالة من الغضب المتصاعد تُجاه إسرائيل، وسط دعوات متزايدة لاتخاذ إجراءات عقابية، بما في ذلك فرض عقوبات مباشرة، على خلفية ما وصفه دبلوماسيون بـ"الجنون الكامل" و"الوضع الإنساني غير المحتمل" في غزة.
وقال دبلوماسي أوروبي مطلع لصحيفة هآرتس العبرية: "ما يحدث في غزة لا يُطاق. من غير الممكن أن نستمر في الصمت بينما نشاهد أطفالاً يتقاتلون على طبق أرز، ونتابع تقارير حقيقية عن الجوع، وإسرائيل لا تفعل ما يكفي لإدخال المساعدات".
حصيلة رد الفعل الأوروبي الأخير
• فرنسا، بريطانيا وكندا ألمحت إلى احتمال فرض عقوبات على إسرائيل.
• 25 دولة غربية أصدرت بيانًا مشتركًا يعبر عن قلقها الشديد من الوضع الإنساني في غزة.
• بريطانيا أعلنت تجميد مفاوضات اتفاق التجارة الحرة مع إسرائيل.
• استدعت بريطانيا السفيرة الإسرائيلية في لندن تسيبي هوتوفلي لتوبيخ رسمي.
• وزيرة الخارجية السويدية أعلنت نيتها الدفع بفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، وهو المقترح الذي تم تجميده لاحقًا.
• فرنسا دعت إلى إعادة النظر في اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وهو ما لاقى تأييدًا من 17 دولة من أصل 27 عضوًا في الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع طارئ في بروكسل.
ويهدف هذا التحرك إلى مراجعة الجوانب القانونية للاتفاق، وربما تعليق بنود محددة مثل الإعفاء الجمركي للمنتجات الإسرائيلية ومشاركة إسرائيل في برامج البحث العلمي الأوروبية (هوريزون).
عزلة متزايدة
في إسرائيل، لم تخفِ المؤسسات الرسمية قلقها من هذه التطورات، رغم أن بعض المسؤولين عبّروا عن ارتياحهم للدعم الذي أبدته كل من ألمانيا، إيطاليا واليونان خلال التصويت الأوروبي.
واعتبرت مايا سيون-تسيدكياهو، مديرة برنامج العلاقات الإسرائيلية-الأوروبية في معهد "متفيم"، أن ما يحدث يمثل "رسالة واضحة جدًا: أوروبا تقول لإسرائيل لقد سئمنا حربًا بلا معنى. أنتم تبتعدون أكثر فأكثر عن القيم الأوروبية". وأضافت: "نحن أمام تسونامي دبلوماسي قد يعيد تشكيل المشهد". بحسب هآرتس.
خطة المساعدات "غير الواقعية"
رغم إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فتح المجال أمام دخول مساعدات إنسانية لغزة بالتنسيق مع الولايات المتحدة، فإن العديد من الدول الأوروبية وصفوا الخطة بأنها غير عملية وغير كافية.
وقال دبلوماسي أوروبي: "الأمر جنون كامل. إسرائيل أغلقت 400 نقطة توزيع غذاء في غزة وتستبدلها بأربعة أو خمسة مراكز فقط. هذا يعني أن كل مركز سيخدم أكثر من 6 آلاف شخص. إن تم تنفيذ هذه الخطة فستكون كارثة".
اعتراف بالدولة الفلسطينية
من جهة أخرى، تستعد بعض الدول الأوروبية والعربية لتنظيم مؤتمر دولي في نيويورك في يونيو المقبل، بهدف الإعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وبحسب المصادر، فإن التحرك يرمي لتحقيق اختراق دبلوماسي يعكس التضامن مع الشعب الفلسطيني، مع توقعات بانضمام عدد متزايد من الدول إلى هذه المبادرة.
وفي محاولة دبلوماسية لاحتواء الأزمة، أجرى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج زيارة غير معلنة إلى باريس، حيث التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لمناقشة التحركات المرتقبة لهذا الإعلان، لكن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن فرص إيقاف هذا المسار باتت محدودة، وأن موجة الاعترافات المتوقعة بالدولة الفلسطينية قد تصبح واقعًا قريبًا.
ماذا تغير منذ 7 أكتوبر؟
منذ الهجوم الذي شنّته حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل مئات الإسرائيليين، حظيت إسرائيل في بدايات الأزمة بتعاطف واسع من قبل الرأي العام الغربي، خاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث وصف العديد من القادة تلك الأحداث بأنها "هجوم إرهابي وحشي".
لكن سرعان ما بدأ هذا التعاطف يتآكل، بعد أن شنت إسرائيل هجومًا عسكريًا واسع النطاق على قطاع غزة، خلّف آلاف الضحايا المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، وتسبب في أزمة إنسانية خانقة تمثلت في انهيار النظام الصحي، نقص الغذاء والماء، ونزوح جماعي للسكان.
وساهمت الصور الصادمة الواردة من غزة، إلى جانب تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، في إثارة غضب شعبي عارم في الشارع الأوروبي والأمريكي، وانطلقت مظاهرات حاشدة في كبرى العواصم الغربية تطالب بوقف الحرب، ورفع الحصار عن القطاع، والاعتراف بالحقوق الفلسطينية.
ومع استمرار التصعيد الإسرائيلي دون أفق سياسي للحل، بدأ الخطاب الرسمي في عدة عواصم أوروبية يتغير تدريجيًا، لينتقل من الدفاع عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" إلى انتقادات لاذعة لطريقة إدارتها للحرب ورفضها المتكرر للضغوط الدولية بشأن المساعدات الإنسانية.
ويرى مراقبون أن ما كان يُعتبر في السابق "إجماعًا غربيًا تقليديًا" على دعم إسرائيل بدأ يتآكل بشكل واضح، لتحل محله موجة من الشكوك والانتقادات، مدفوعة بإدانات قانونية وأخلاقية، وتحقيقات محتملة حول انتهاكات القانون الدولي.