الضغوط المتزايدة من حلفاء إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة، لإنهاء الحرب على غزة تضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام معضلة، إما إنهاء الصراع والمخاطرة بانهيار حكومته، أو الاستمرار في التضحية بالدعم الدولي، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
وذكرت الصحيفة أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، أعلن أمس الثلاثاء، تعليق بريطانيا لمحادثات التجارة الحرة مع إسرائيل، واستدعى السفير الإسرائيلي، قائلًا إن "منع المساعدات لغزة لمدة 11 أسبوعًا كان قاسيًا وغير مبرر".
كما فرضت حكومة المملكة المتحدة عقوبات على بؤرتين استيطانيتين، وثلاثة مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، وصرح لامي قائلًا: "إن تصرفات إسرائيل لا تطاق".
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، دعت فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، حلفاء إسرائيل، نتنياهو إلى عدم مواصلة الهجوم البري الجديد، الذي يقول إنه سيتضمن الاستيلاء على القطاع بأكمله.
وقال حلفاء إسرائيل الأوروبيون وكندا، أمس الأول الاثنين، إنهم سوف "يتخذون المزيد من الإجراءات الملموسة" إذا وسع نتنياهو نطاق الحرب، واقترحوا أنهم سوف ينظرون في فرض عقوبات مستهدفة في الضفة الغربية المحتلة.
لكن الأهم بالنسبة لنتنياهو، وفق وول ستريت جورنال، هو أن البيت الأبيض أوضح يوم الاثنين، أن الرئيس ترامب يريد إنهاء الحرب، وذلك بعد يوم واحد فقط من إعلان إسرائيل بدء هجوم موسع جديد على القطاع الفلسطيني. وصرحت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، بأن ترامب "يريد أن يرى نهاية لهذا الصراع في المنطقة".
وترى "وول ستريت جورنال" أن الضغوط الأمريكية تجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي على تغيير حساباته، وهو يفكر في الاستمرار في الحرب في غزة من عدمه. ولفتت الصحيفة إلى أن معضلة استمرار الصراع أمر مألوف إلى حد ما بالنسبة له.
فعندما كان جو بايدن رئيسًا، مارس ضغوطا هائلة على نتنياهو لإرسال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، وقبول اتفاق وقف إطلاق النار الذي من شأنه إطلاق سراح المحتجزين لدى حماس. لكن نتنياهو استغل هذه الدعوات لمصلحته السياسية بتحديها وإظهاره لقاعدته اليمينية أنه قادر على الدفاع عن إسرائيل.
وحظي هذا النهج أيضا بدعم من الجمهوريين في الكونجرس، الذين كانوا حريصين على انتقاد السياسة الخارجية لبايدن. لكن هذه المرة، يأتي الضغط من ترامب. ففرص انقسام الحزب الجمهوري عن الرئيس بسبب إسرائيل ضئيلة. فإذا خسر نتنياهو الدعم الأمريكي، فإنه يخاطر بتدمير ركيزة أساسية من ركائز السياسة الخارجية الإسرائيلية لمواصلة مساره الحالي.
وقال شموئيل روزنر، الزميل البارز في معهد سياسة الشعب اليهودي: "إسرائيل دولة قوية، لكنها ليست قوة عظمى. لا يمكنها أن تتصرف ضد العالم أجمع".
وأمس الثلاثاء، صرح آدم بوهلر، المبعوث الخاص لترامب لشؤون الرهائن، بأن الرئيس لا يزال يدعم إسرائيل حتى مع دعوته لإنهاء الحرب. وقال على قناة فوكس نيوز: "دعم الرئيس ترامب لإسرائيل لا يتزعزع".
في الأسابيع الأخيرة، اتخذت الولايات المتحدة سلسلة من الخطوات في الشرق الأوسط فاجأت إسرائيل وأبعدتها عن الساحة، بما في ذلك فتح محادثات نووية مباشرة مع إيران، والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، والتفاوض على إطلاق سراح الرهينة الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر مباشرة مع حماس، ورفع العقوبات عن الحكومة السورية الجديدة، التي لا تزال إسرائيل تعتبرها تهديدًا.
وقال السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين، إن هذه التحركات تنتهك مبدأ راسخا مفاده أن أيًّا من البلدين لن يفاجئ الآخر عندما يتعلق الأمر بتغييرات في السياسة تتعلق بأمن الطرف الآخر.
وأضاف أورين أنه في مواجهات سابقة بين إسرائيل والبيت الأبيض، كان القادة في تل أبيب قادرين على اللجوء إلى الكونجرس الأمريكي طلبًا للدعم. أما الآن، فبين الديمقراطيين المعارضين بشدة للحكومة الإسرائيلية الحالية، والجمهوريين المتحفظين في معارضة ترامب، لا يملك نتنياهو سوى هامش ضيق للمناورة في واشنطن.
ويهدد حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف، الذين يملكون ما يكفي من المقاعد لحرمان زعيم الائتلاف من الأغلبية البرلمانية، بالانسحاب من الحكومة إذا دخلت أي مساعدات إضافية إلى غزة قد تصل إلى حماس. وحتى الآن، لم ينفذ هؤلاء الوزراء تهديدهم. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه إذا أجريت انتخابات الآن، فإن نتنياهو وتحالفه السياسي اليميني سيخسران السلطة.
ويقول المحللون إن نتنياهو يفكر أيضًا في كيفية تسويق تعامله مع الحرب قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في أكتوبر 2026. وقال أمير أفيفي، المسؤول الدفاعي السابق المقرب من الحكومة الإسرائيلية الحالية والمؤسسة الأمنية: "الأمر واضح تمامًا بالنسبة للحكومة: إنهم بحاجة إلى تحقيق أهداف الحرب قبل الانتخابات".
تخطط إسرائيل للسيطرة على غزة على أمل أن يمنحهم ذلك فرصة أفضل للقضاء على حماس. لكن مع تزايد الضغوط الدبلوماسية، قد يضطر نتنياهو إلى إنهاء الحرب قبل تحقيق هدفه الرئيسي المتمثل في هزيمة حماس، وفق وول ستريت جورنال.
وتظهر استطلاعات الرأي أن العديد من الإسرائيليين سئموا الحرب ويؤيدون التوصل إلى تسوية تفاوضية لإنهائها. جنود الاحتياط منهكون بعد 19 شهرًا من القتال، والناس غاضبون من بقاء نحو 20 محتجزًا على قيد الحياة في غزة، وجثث أكثر من 30 آخرين في القطاع.
وانتقد رئيس حزب المعارضة اليساري يائير جولان، رئيس الوزراء بشدة بسبب تعامله مع الحرب والأضرار التي ألحقتها بسمعة إسرائيل على المستوى العالمي.
وقال ياكوف كاتس، وهو زميل في معهد سياسة الشعب اليهودي، إن رفض نتنياهو المشاركة في أي خطة لتنصيب إدارة فلسطينية مختلفة داخل غزة هو السبب في الأزمة السياسية الحالية.
وأضاف كاتس إن هذا دفع الحلفاء إلى افتراض أن نتنياهو يطيل أمد الحرب لأغراض سياسية، أو أنه ينوي فرض احتلال إسرائيلي دائم لقطاع غزة، وهو ما يعارضونه.