في لحظةٍ خاطفة، تحول محيط جسر بروكلين الشهير في نيويورك إلى مشهد من الأضواء والهلع، وصفارات الإنذار، إذ اصطدمت سفينة "كواوتيموك" الشراعية، وهي أيقونة دبلوماسية عائمة للبحرية المكسيكية، بأسفل الجسر، لتنهار صواريها الخشبية تحت وطأة الصدمة، وبعد أن كانت الرحلة متجهة إلى أيسلندا انتهت على حدود الكارثة.
اصطدام مأساوي
قالت شرطة نيويورك وفق شبكة CNN إن سفينة تدريب تابعة للبحرية المكسيكية اصطدمت بأسفل جسر بروكلين الشهير في مدينة نيويورك مساء السبت، ما أسفر عن كارثة إنسانية وأضرار مادية جسيمة.
وصرّح متحدث باسم شرطة نيويورك أن الحادث أدى إلى إصابة عدد من الأشخاص، وقد تم تقديم المساعدة لهم في موقع الحادث، في حين أكد رئيس بلدية نيويورك، إريك آدامز، أن عدد المصابين بلغ 19 شخصًا، بينهم أربعة في حالة "خطيرة".
وفي منشور على منصة "إكس" باللغة الإسبانية، أعلنت البحرية المكسيكية أن السفينة "كواوتيموك" تعرضت لحادث أثناء مغادرتها ميناء نيويورك، ما أدى إلى إلحاق أضرار بهيكل السفينة ومنعها من مواصلة رحلة التدريب المقررة إلى أيسلندا.
خسائر ومعلومات عن الأسباب
ولقي شخصان حتفهما نتيجة الحادث بعد سقوطهما من أحد صواري السفينة، في حين أصيب 19 آخرين، بينهم اثنان ما زالا في حالة حرجة، وتم نقل 19 مصابًا إلى مستشفيات نيويورك، وفقًا لما أوردته البحرية المكسيكية.
وكشف مسؤول أمني وفق شبكة CNN أن الضحيتين توفيا متأثرين بجروحهما بعد نقلهما إلى المستشفى، في حين بقيت السفينة ترسو مؤقتًا في رصيف رقم 36 بنيويورك.
قال ويلسون أرامبوليس، رئيس مكتب العمليات الخاصة في شرطة نيويورك، خلال مؤتمر صحفي، إن المعلومات الأولية تشير إلى احتمال تعرّض السفينة لعطل ميكانيكي أفقد القبطان السيطرة، ما أدى إلى اصطدامها بالجسر.
وأضاف أرامبوليس: "يبدو أن القبطان فقد القدرة على التحكم في السفينة، وهناك مشكلات ميكانيكية محتملة قد تكون السبب المباشر للاصطدام"، وأكد أن المجلس الوطني لسلامة النقل يُجري تحقيقًا شاملًا لمعرفة الأسباب الدقيقة.
صاري أعلى من الجسر
تُعد السفينة الشراعية المكسيكية "كواوتيموك" واحدة من أبرز رموز البحرية المكسيكية، إذ تتميز بهيكل فولاذي وثلاثة صواري بارتفاع يبلغ 160 قدمًا وطول يناهز 300 قدم، في حين اصطدمت أثناء عبورها بنهر إيست ريفر بأحد عوارض جسر بروكلين الحديدية، الذي يبلغ ارتفاعه الملاحي 127 قدمًا.
وتشير التحقيقات الأولية، حسب "سي إن إن" إلى أن السفينة كانت تتحرك في "الاتجاه الخاطئ"، بعدما فقد القبطان السيطرة عليها بسبب عطل ميكانيكي مفاجئ تسبب بانحراف الدفة وانقطاع الطاقة.
سلسلة من الحوادث
حادثة كواوتيموك تعيد إلى الأذهان كارثة أخرى وقعت قبل 16 شهرًا فقط، حينما اصطدمت سفينة الحاويات السنغافورية "دالي" بجسر فرانسيس سكوت كي في بالتيمور، ما أدى إلى انهيار الجسر البالغ طوله 1.6 ميل، ومقتل ستة عمال، كما تُضاف حادثة كواوتيموك إلى سجل تاريخي من الاصطدامات التي عرفها جسر بروكلين منذ بدايات القرن العشرين.
ففي عام 1921، اصطدمت السفينة الشراعية "إدوارد جيه. لورانس" بالجسر أثناء سحبها تحته، تلتها في عام 1935 سفينة الشحن الألمانية "تيربيتز" التي أصابت الجسر بعارضة فولاذية، ما أدى إلى انثناء ثلاثة من صواريها الأربعة، أما في عام 1986، فلامست سفينة شحن كورية جنوبية قاع الجسر في حادثة أثارت القلق حينها.
الجسر الصامد
أعلنت إدارة الطوارئ في نيويورك عبر "إكس" أنه لم يُسجّل أي ضرر هيكلي في جسر بروكلين رغم الاصطدام العنيف، ومع ذلك، تم إغلاق الجسر لمدة 40 دقيقة تقريبًا، قبل أن يُعاد فتحه أمام حركة المرور مساء يوم الحادث نفسه، وذلك بعد أجري فحصًا أوليًا للجسر أظهر أنه في حالة جيدة، لكن التفتيش الهندسي لا يزال مستمرًا.
وتُعدّ "كواوتيموك" سفينة شراعية تدريبية تابعة للبحرية المكسيكية، أُنشئت في إسبانيا عام 1981، وتُلقب بـ"سفير البحار"، وتشارك هذه السفينة بانتظام في فعاليات دولية كممثل للثقافة البحرية المكسيكية، وتُستخدم لتدريب الطلاب والضباط.
كانت السفينة ترسو في ميناء ساوث ستريت البحري منذ يوم الثلاثاء الماضي، ضمن جولة عالمية للنوايا الحسنة، وكان من المقرر أن تتجه بعد نيويورك إلى أيسلندا.
وخُصصت السفينة للتدريب العسكري ضمن "المدرسة البحرية البطولية"، وهي أكاديمية عسكرية مرموقة في المكسيك، حيث قامت منذ انطلاقها بزيارة 212 ميناءً في 64 دولة، وقطعت أكثر من 756 ألف ميل بحري، وهو ما يعادل 35 دورة حول الكرة الأرضية، وغالبًا ما توصف "كواوتيموك" بأنها سفيرة دبلوماسية بحرية لبلادها في الخارج.
استجابة طارئة
قالت إدارة الإطفاء في نيويورك في بيان عبر البريد الإلكتروني وفق شبكة CNN إنها تلقت بلاغًا عن اصطدام السفينة بالجسر، وتم إرسال أكثر من 100 عنصر إنقاذ من 25 وحدة، بما في ذلك 106 من رجال الإطفاء والطوارئ.
وذكر رئيس التدريب مايكل مايرز في منشور على منصة "إكس" أن الشرطة والإطفاء وخدمات الطوارئ عملوا سويًا على إنقاذ جميع الركاب، وتأسيس مراكز قيادة على جانبي بروكلين ومانهاتن.
وفي الوقت الذي تستمر فيه التحقيقات لتحديد السبب الدقيق لهذا الحادث المأساوي، تبقى نيويورك في حالة ترقب، والمكسيك في حالة حزن، وبين أمواج نهر إيست وجسور المدينة العريقة، تُسجل هذه الحادثة كتذكرة قاسية على أن حتى الرحلات الدبلوماسية قد تعترضها مصائر مفاجئة.