أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تأييده لمشروع دمج بطاقة التأمين الصحي (كارت فيتال) مع بطاقة الهوية الوطنية، في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة "بوليتيكو" عن تقرير رسمي سري، يوصي بعدم المضي قدمًا في هذا المشروع لأسباب مالية وتقنية وأمنية.
رؤية الرئيس مقابل توصيات الإدارة
صرح الرئيس الفرنسي خلال مقابلة تلفزيونية على قناةTF1: "إذا كان الدستور يسمح بدمج بطاقتي الهوية والتأمين الصحي، فنعم. كل ما يسمح بالتبسيط، فإجابتي هي نعم"، ويأتي هذا التصريح في إطار جهود الحكومة الفرنسية لتحديث وتبسيط الإجراءات الإدارية للمواطنين.
في المقابل، وبحسب ما نشرته صحيفة "بوليتيكو"، فإن تقريرًا سريًا أعدته هيئات التفتيش في وزارات المالية والشؤون الاجتماعية والإدارة العامة، يحذر من تبعات هذا المشروع، واصفًا إياه بأنه "مكلف ومعقد وذو فعالية محدودة".
أهداف المشروع
بدأت قصة مشروع دمج البطاقتين في مايو 2023، عندما طرح جابرييل أتال، وزير الحسابات العامة آنذاك "الذي أصبح لاحقًا رئيسًا للوزراء"، الفكرة لأول مرة، وكان الهدف المعلن حينها هو مكافحة الاحتيال في نظام الضمان الاجتماعي.
و استند أتال في مقترحه إلى تقرير سابق من هيئات التفتيش في وزارتي الشؤون الاجتماعية والمالية، كان قد أوصى بإلغاء فكرة إنشاء بطاقة تأمين صحي بيومترية، واقترح بديلًا لها هو دمج بطاقتي الهوية والتأمين الصحي.
وعلى الفور، أطلق أتال مهمة لدراسة إمكانية تنفيذ هذا المشروع، لكن نتائجها لم تظهر إلا في ربيع 2024، ولم تُنشر أو حتى يتم تبنيها من قبل أتال نفسه الذي كان قد جعلها "أولوية" لحكومته بعدما أصبح رئيسًا للوزراء.
تكلفة باهظة وعائد محدود
وفقًا للتقرير الذي كشفت عنه "بوليتيكو"، فإن عملية الدمج ستهدد سير مشروع آخر مهم جارٍ حاليًا، وهو استبدال بطاقات الهوية التقليدية ببطاقات إلكترونية جديدة، وهو مشروع بدأ تنفيذه منذ عام 2021.
وأوضحت المجلة أن عملية الدمج ستتطلب استدعاء ملايين البطاقات الإلكترونية التي تم إصدارها بالفعل، مما سيزيد الضغط على خدمات السجل المدني والمحافظات.
وفي أفضل السيناريوهات، ستمتد عملية الدمج على مدى خمس سنوات وستكلف ما لا يقل عن 80 مليون يورو، دون احتساب "التكاليف غير المباشرة".
ويرى معدو التقرير السري الذي كشفت عنه "بوليتيكو" أن هذا المبلغ مرتفع للغاية مقارنة بـ"الطابع الهامشي" للاحتيال المرتبط ببطاقة التأمين الصحي، والذي قدروه بنحو 3.4 مليون يورو سنويًا فقط.
تحديات تقنية وقانونية
من الناحية العملية، سيتمثل دمج البطاقتين في إدراج رقم الضمان الاجتماعي في شريحة بطاقة الهوية، وبالتالي إلغاء بطاقة التأمين الصحي نهائيًا، إلا أن المشكلة، كما يشير التقرير الذي نقلته "بوليتيكو"، هي أن ليس كل من يملك بطاقة تأمين صحي لديه بالضرورة بطاقة هوية وطنية، نظرًا لأن الأخيرة ليست إلزامية في فرنسا.
علاوة على ذلك، أبدت اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات (CNIL)، المسؤولة عن حماية البيانات الشخصية في فرنسا، اعتراضها على الفكرة.
وذكرت "بوليتيكو" أنه لكي تسمح اللجنة بمثل هذا الدمج، يجب منح كل مواطن إمكانية رفضه، كما ينبغي تقسيم الشريحة الإلكترونية في بطاقة الهوية إلى قسمين منفصلين، بحيث لا يمكن سوى للخدمات المرتبطة بقطاع الصحة والشؤون الاجتماعية الوصول إلى أرقام الضمان الاجتماعي.
الإصلاح الإداري الفرنسي
يعكس هذا الخلاف بين توجه الرئيس الفرنسي وتوصيات الإدارة تحديات أوسع تواجه عمليات الإصلاح الإداري في فرنسا، خاصة تلك المتعلقة بالتحول الرقمي وحماية البيانات وتبسيط الإجراءات.
جدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي أطلق عدة مبادرات لتحديث الإدارة الفرنسية منذ توليه السلطة، ضمن برنامجه الإصلاحي، لكن العديد منها واجه صعوبات في التنفيذ؛ بسبب المقاومة البيروقراطية والقيود القانونية، وهو ما قد يتكرر مع مشروع دمج البطاقتين رغم حماس الرئيس له.