على مدار نحو 30 عامًا استمرت سلسلة أفلام الجاسوسية والحركة الشهيرة Mission Impossible "المهمة المستحيلة"، التي عُرف آخر أجزائها الثمانية بعنوان "الحساب النهائي" طريقه إلى مهرجان كان السينمائي بدورته الـ78 المقامة حاليًا، إذ عُرض الفيلم أمس الأربعاء، وسط اهتمام إعلامي كبير.
مع العرض الأول للجزء الثامن من سلسلة "المهمة المستحيلة" - والمحتمل أن يكون الأخير في السلسلة - نعود بالزمن إلى الوراء لنستعرض الأجزاء الـ7 للسلسلة ونرتبها من الأسوأ إلى الأفضل، حسب مراجعة نقدية نشرها موقع euronews وأعده الناقد ديفيد موريكواند، ذكر فيه أن السلسلة بدأت عام 1996 في فيلم من إخراج براين دي بالما، ومنذ ذلك الحين، تطورت السلسلة لتشمل 8 أجزاء.
تُعد سلسلة مهمة مستحيلة، حالة فريدة في عالم أفلام الميزانيات الضخمة، والسبب الأساسي في ذلك هو أنها لا تخضع للقواعد التقليدية التي تحكم سلاسل الأفلام. فعادة ما تؤدي الأجزاء المتتالية إلى انخفاض في الجودة والإيرادات، خصوصًا في عصر بات الجمهور يعاني فيه من إرهاق السلاسل. لكن إيثان هانت - أو بالأحرى توم كروز - كسر هذه القاعدة، إذ تميزت كل جزء عن سابقه بمحاولته التفوق عليه من حيث الإثارة.
ترتيب السلسلة من الأسوأ إلى الأفضل:
المركز السابع.. "المهمة المستحيلة 2" عام 2000
يعد Mission: Impossible II، الحلقة الأضعف في السلسلة بلا منازع، لذا فهو يحجز المكان الأخير، بسبب الإفراط في التصوير البطيء، وحركات الكونغ فو الكثيرة، مع كل هذه النظارات الشمسية ومشاهد تبادل إطلاق النار بمسدسين، فكلها محاولات واضحة لتقليد "ذا ماتريكس"، والنتيجة أن الفيلم فقد بوصلته تمامًا.
الفيلم مليء باللحظات المبالغ فيها التي تثير الضحك دون قصد، وكل شيء تم تقديره بشكل خاطئ، وهو أكثر أفلام السلسلة التي عفا عليها الزمن، ورغم ذلك، هناك عناصر واعدة، منها ثاندي نيوتن بأداء مميز، وأنتوني هوبكنز كرئيس مؤقت لوكالة IMF.
السلسلة وقتها كانت تحاول بوضوح الابتعاد عن أصولها التجسسية الكلاسيكية، لتمنح كل مخرج فرصة لصب بصمته الخاصة. لكن المشكلة أن إيثان هانت هنا لم يكن جاسوسًا بل بطل أكشن متكامل، وهذا ما أفقد الفيلم روحه.
المركز السادس.. "المهمة المستحيلة - حساب الموتى الجزء الأول" عام 2023
يأتي Mission Impossible – Dead Reckoning Part One، ضمن أقل المحطات في السلسلة، وهذا يتضح من عنوانه الذي يتضمن جملة "الجزء الأول" علمًا بأنه ليس هناك جزء ثانٍ، ما يجعل العنوان نفسه مربكًا، وفي الفيلم ينتقل السرد سريعًا من أبو ظبي إلى روما ثم فينيسيا، قبل أن يبلغ ذروته على متن قطار الشرق السريع، في مطاردة للحصول على مفتاح مكون من جزأين، مرتبط بذكاء اصطناعي طفيلي واعٍ يُدعى "الكيان".
هذا "الكيان" يمثل تهديدًا وجوديًا قادرًا على التلاعب بالواقع الرقمي وتهديد البشرية جمعاء. رغم أن العدو الرئيسي يبدو مواكبًا لمخاوفنا الحالية من الذكاء الاصطناعي، فإن السيناريو الذي كتبه كريستوفر ماكوايري مع إيريك جندرسن جاء ضعيفًا ومبالغًا فيه، زد على ذلك حوارات رديئة، شرير باهت (إيساي موراليس)، وتهميش ريبيكا فيرحسون من دون ختام منطقي لشخصيتها، فقط ليتم استبدالها بالقادمة الجديدة هايلي أتويل، في دور لصة عالمية تذكرنا بدور ثاندي نيوتن في الجزء الثاني.
ويبدو الفيلم في مجمله بلا ذروة حقيقية، والسبب أن السرد يبدو وكأنه بُني حول مشاهد الحركة، لا العكس، لكن من باب الإنصاف، مشاهد الأكشن لا تزال مذهلة، خاصة التي على متن القطار.
المركز الخامس.. "المهمة المستحيلة - بروتوكول الأشباح" 2011
ربما يُعد هذا الترتيب لـ Mission: Impossible - Ghost Protocol، مثيرًا للجدل، فالكثير من محبي السلسلة يفضلون وضعه في مرتبة أعلى. لكن هناك الكثير من التحفظات عليه، خصوصًا وأن جميع الأفلام من هذه النقطة فصاعدًا ممتازة. لذا يحتل "بروتوكول الشبح" هذه المرتبة فقط لأن المنافسة أصبحت شرسة جدًا.
الفيلم شكّل أول تجربة إخراجية في عالم الأفلام الحية للمخرج براد بيرد القادم من عالم بيكسار، وله العديد من أفلام الرسوم المتحركة ذائعة الصيت، ونجح في هذه النسخة من "المهمة المستحيلة" في تقديم مشاهد رائعة منها تدمير الكرملين، مطاردات في عاصفة رملية، وأهم ما في الأمر، مشهد تسلق توم كروز لجانب برج خليفة في دبي، أطول ناطحة سحاب في العالم. مشهد يخطف الأنفاس، مع جرعة محببة من الفكاهة، غالبًا مرتبطة بالنكتة المتكررة حول فشل التكنولوجيا، التي يستخدمها الفريق في اللحظات الحرجة.
أداء توم كروز أيضًا كان في ذروته، وفريق مميز من الممثلين منهم سيمون بيج، جيريمي رينر في ظهوره الأول بالسلسلة، وباولا باتون، والمشكلة الوحيدة - وهي ليست صغيرة - تكمن في شخصية الشرير، التي جسدها مايكل نيكفيست بأداء باهت وغير مستغل، وشخصية تنسى بسهولة.
المركز الرابع.. "المهمة المستحيلة 3" عام 2006
شهد "Mission: Impossible III" أول تجربة على الشاشة الكبيرة للمخرج والمؤلف جي. جي. أبرامز، وقدم فيها رؤية أكثر واقعية وأقل بهرجة من سابقه، مع تركيز على الحوارات التفسيرية والتلاعبات الغامضة بين الشخصيات. كان من الواضح أن أبرامز جلب الأجواء الخاصة بمسلسله Alias إلى السلسلة، وكانت خطوة موفقة.
اختفى البطل الخارق الذي صمّمه جون وو، وعاد إيثان هانت أكثر إنسانية، ضمن رهان على خطر أكبر وغموض أكثر. "نلتقي هنا مع "قدم الأرنب" عنصر غامض يمثل قلب الحبكة، وإن لم يعرف أحد ما هو حقًا. هذا النوع من الغموض يحبه أبرامز، الذي يبرع في خلق صناديق ألغاز مشوقة، ثم نكتشف غالبًا أنها فارغة!".
وتيرة الفيلم ممتازة، والموسيقى التصويرية لمايكل جياكينو إضافة ساحرة، والفيلم هو بلا شك الأكثر غموضًا بين أجزاء السلسلة. الشرير هنا لا يكتفي بالتهديد بل يزرع عبوات ناسفة في أنوف ضحاياه ويفجرها متى شاء.
المركز الثالث.. "المهمة المستحيلة" 1996
رغم أن السلسلة تطورت كثيرًا عقب إصدار الجزء الأول Mission: Impossible، لكن يبقى له نجاحه وتحدياته الخاصة، ويكفي التذكير بمدى جرأة هذا العمل في حينه، خاصة أنه استند إلى مسلسل تلفزيوني شهير من الثقافة الشعبية وقرر قلب الموازين تمامًا، تحويل بطل المسلسل الأصلي جيم فيلبس - الذي جسده جون فويت - إلى الشرير، مع تركيز على أجواء ما بعد الحرب الباردة.
وبالتأكيد، بعض عناصر الفيلم أصابها الوهن بسبب عامل الزمن، وأصبحت غير مناسبة للعصر الحالي ومنها أقراص التخزين المرنة واستخدام بريد AOL الإلكتروني، وحتى مؤثرات مشهد القطار السريع تحت القنال الإنجليزي، لكن رغم كل هذا، فإن الفيلم ينبض بالحيوية والطاقة.
والتحولات الدرامية لا تزال فعّالة، فانيسا ريدجريف تخطف الأضواء في مشهد واحد، والسيناريو المشدود يُعد من الأكثر إحكامًا في السلسلة. ولا يمكن نسيان المشهد الأيقوني لاقتحام مقر الـCIA، مع الأرضية الحساسة لأي حركة، هذا المشهد أصبح لاحقًا من السمات المميزة للسلسلة.
المركز الثاني.. "المهمة المستحيلة ــ أمة مارقة" 2015
فيلم Mission: Impossible - Rogue Nation كان أول مهمة للمخرج كريستوفر ماكوايري، واستمر منذ ذلك الحين حتى فيلم Final Reckoning الذي سيعرض في دور السينما قريبًا، ليصبح المخرج الأطول بقاءً في السلسلة، وهذا إنجاز بحد ذاته، خاصة أن باقي المخرجين لم يعودوا للجزء التالي.
ويبدو أن العلاقة بين ماكوايري والسلسلة كانت أشبه بزواج ناجح، إذ فهم أن أفضل ما في مهمة مستحيلة هو المزج بين الجنون الحركي وبين كتابة ذكية تمنح الشعور بالخطر الحقيقي. الفيلم متوازن، ذكي، ويضم مشاهد تبدو كتحية لأفلام الجاسوسية الكلاسيكية في السبعينيات، خاصة مشاهد الأوبرا، التي تعيد إلى الأذهان فيلم "الرجل الذي عرف أكثر من اللازم" لهيتشكوك.
لكن الورقة الرابحة الحقيقية كانت تقديم شخصية إلسا فوست، التي جسدتها ريبيكا فيرجسون بإتقان جعلها أحد أعمدة السلسلة لاحقًا. والشرير شون هاريس بدور سولومون لاين، يتسلل بأداء بارد ساخر، ويترك بصمة قوية، حتى لو لم يكن بمستوى فيليب سيمور هوفمان، إلا أنه عاد في الجزء التالي، وهذا نادر في السلسلة.
المركز الأول.. "المهمة المستحيلة - انحدار" 2018
نصل إلى القمة مع Mission: Impossible – Fallout، الذي لا يزال الذروة المطلقة للسلسلة، وتميز على طول الخط من المشاهد الحركية إلى الحبكة، من طاقم التمثيل إلى الإحساس بالتوتر، ولم تصل السلسلة إلى مستوى أعلى من هذا.
النقاد أشادوا به فور صدوره عام 2018، ووصفوه بأنه من أعظم أفلام الحركة على الإطلاق، وما يميزه أنه يشير إلى أن إنقاذ العالم هنا ليس مجرد روتين، بل عبء نفسي يخضع للمناقشة والمراجعة، وتميز لافت في شخصية الشرير التي يؤديها هنري كافيل، مقدمًا شخصية مكتوب تفاصيلها بعانية شديدة، كما يتضمن الفيلم عددًا من المشاهد المثيرة منها القفز من ارتفاع 25 ألف قدم، ومطاردة دراجات نارية وسط شوارع باريس، كل شيء في الفيلم مشحون بالأدرينالين، دون التضحية بالحبكة.