الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انعكاس شخصية بابا الفاتيكان الجديد على قضايا الشرق الأوسط والعالم

  • مشاركة :
post-title
البابا "ليو" الرابع عشر

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في يوم الأحد الموافق 11 مايو 2025، ترأس البابا ليو الرابع عشر قدّاسًا مهيبًا عند ضريح القديس بطرس، قبل أن يطل من شرفة كاتدرائية القديس بطرس ليمنح بركته الرسولية الأولى في ظهوره العلني أمام الحشود. وقد استهلّ حبريته بنداء مؤثر دعا فيه القوى الكبرى إلى "وقف الحروب"، في لحظة مفصلية تُطوى فيها صفحة البابا فرنسيس وتُفتح أخرى مع أول بابا من أصل أمريكي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. فمنذ لحظة انتخابه في الثامن من مايو 2025، تركزت أنظار العالم الكاثوليكي، إلى جانب شريحة واسعة من المهتمين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على الفاتيكان، مترقبةً ملامح السياسة الجديدة للحبر الأعظم تجاه القضايا المشتعلة، وعلى رأسها العدوان الإسرائيلي على غزة، مرورًا بالحرب الروسية–الأوكرانية، ووصولًا إلى النزاع المتصاعد بين الهند وباكستان.

وفي خطابه الأول، لم يتردد البابا الجديد في مقاربة هذه الملفات الحساسة بشكل مباشر، ما يعكس توجهًا واضحًا نحو انخراط أكبر للفاتيكان في الشأن الدولي، انطلاقًا من التزام أخلاقي عميق بقيم السلام والعدالة، واستمرارًا لنهج إصلاحي رسّخه سلفه البابا فرنسيس.

في هذا السياق، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: كيف تنعكس شخصية البابا ليو الرابع عشر على مواقف الفاتيكان تجاه قضايا الشرق الأوسط والعالَم؟

من هو بابا الفاتيكان المُنتخب ليو الرابع عشر؟
شخصية البابا ليو الرابع عشر

تتمثل شخصية البابا ليو الرابع عشر في مزيج من العوامل الثقافية والدينية التي شكّلت مسيرته، حيث تتداخل خلفيته الفكرية مع توجهاته الإصلاحية التي قد يكون لها تأثير كبير على مواقفه المستقبلية، فنلاحظ:

(*) الهوية الثقافية والتأثيرات الأمريكية واللاتينية: وُلِد البابا ليو الرابع عشر في شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1955، ما يعني نشأته في بيئة غربية تُعلي من قيم الفردية والحرية، لكنه نشأ أيضًا في بيئة عائلية كاثوليكية تأثرت بشدة بقيم الدين المسيحي في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية. تجسد هذه الخلفية الفكرية الأمريكية تحديًا كبيرًا في السياقات الدينية والسياسية التي سيتعامل معها البابا خلال حبريته، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط التي غالبًا ما تتناقض فيها المصالح السياسية مع القيم الروحية.

بجانب ذلك، في وقت لاحق من حياته، اختار البابا ليو الرابع عشر خدمة الكنيسة في أمريكا اللاتينية، حيث تأثرت رؤيته الدينية بشكل كبير بفكر "لاهوت التحرير" الذي يدعو إلى الانحياز إلى الطبقات المظلومة والدعوة إلى العدالة الاجتماعية، فهذا التوجه العميق نحو القضايا الاجتماعية سيظل حجر الزاوية في قيادته كزعيم روحي، حيث يضع حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في صُلب أولوياته.

(*) تأثره بالبابا فرنسيس ونهج الإصلاح: لم يأتِ البابا ليو الرابع عشر إلى الفاتيكان من فراغ، حيث تأثر كثيرًا بمنهج البابا الراحل فرنسيس الذي كانت حقبته حافلة بالإصلاحات الدينية والاجتماعية، كما تميز البابا فرنسيس بنهج كاثوليكي يركّز على الرعاية الإنسانية مع النظر إلى الفقراء والمهمشين كأولوية.

ورغم أن البابا ليو الرابع عشر لديه شخصية مستقلة، فإن خلفيته المشتركة مع البابا فرنسيس بمثابة إشارة إلى استمرارية هذا النهج الإصلاحي والدعوة إلى السلام والعدالة. كما يُعد ارتباط البابا ليو الرابع عشر بمبادئ البابا فرنسيس فيما يخص الأديان من أبرز سمات شخصيته، فيمكن أن يتبع البابا ليو الرابع عشر نهج تعزيز التفاهم بين مختلف الديانات كسلفه، خاصًة في عالم اليوم الذي يعاني صراعات طائفية وإثنية متزايدة.

إضافة إلى ذلك، تتميز شخصية البابا ليو الرابع عشر بالجمع بين الرؤية الروحية العميقة التي تلتزم بالمبادئ المسيحية، وبين المواقف السياسية التي تدافع عن حقوق الإنسان، ما يجعله قائدًا قادرًا على التفاعل مع القضايا العالمية المعقدة بحذرٍ وحكمة.

موقف البابا الجديد من القضايا المختلفة

عند انتخاب البابا ليو الرابع عشر في مايو 2025، أصبحت الأنظار متوجهة إلى مواقفه المحتملة حيال القضايا الإقليمية والعالمية المختلفة، ومن أهمها:

(*) القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي على غزة: تعد القضية الفلسطينية من أبرز القضايا التي تشكّل اختبارًا لمواقف البابا ليو الرابع عشر في الشرق الأوسط، فالفاتيكان ظلت ملتزمة بموقف داعم للسلام العادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي الخطاب الرسمي الأول للبابا ليو الرابع عشر، اتخذ موقفًا أكثر صراحة في دعم حقوق الشعب الفلسطيني مع تبني سياسة تدعو إلى حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية نتيجة تأثره تأثر بمبادئ "لاهوت التحرير"، وطالَب بوقف فوري للعدوان، ورفع الحصار، وضمان وصول المساعدات، وهو ما يتماشى مع موقف الفاتيكان التقليدي الذي يرفض التصعيد العسكري.

(*) العلاقة مع إسرائيل: منذ عهد البابا يوحنا بولس الثاني، حرصت الكنيسة الكاثوليكية على الحفاظ على علاقات متوازنة مع إسرائيل، خاصة في إطار الحوار المسيحي-اليهودي، إلا أن هذا الحوار لم يكن على حساب القضية الفلسطينية، بل ظلت الفاتيكان تدافع عن حل الدولتين، وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، مع احترام الوضع القانوني والديني للقدس. فمن المرجح أن يواصل البابا ليو الرابع عشر هذا التوازن، مع زيادة الضغط الأخلاقي على إسرائيل لاحترام حقوق الإنسان ووقف التوسع الاستيطاني.

(*) موقفه من السياسات الأمريكية: كونه أمريكيًا، لن يكون البابا الجديد صريحًا في معارضة السياسات الأمريكية بشكل فج، لكنه قد يُوجّه رسائل ضمنية إلى الضمير الأمريكي عبر الدعوة إلى إعادة النظر في دعم الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان، بما في ذلك إسرائيل. فمن المتوقع أن يتخذ البابا ليو الرابع عشر موقفًا نقديًا من السياسات الأمريكية، خاصة في ملف الهجرة؛ انسجامًا مع نهج كنيسته الذي يرفض التمييز ويناصر الكرامة الإنسانية. ورغم اعتداله، يُعرف عنه أنه لا يلتزم الصمت أمام الظلم، ومن المرجح أن يرفع صوته ضد سياسات الترحيل والجدران العازلة، معتبرًا أن بناء الجسور بين الشعوب هو جوهر التعاليم المسيحية، لا العزل أو الإقصاء، كما قد يدعو البابا الحكومات الأوروبية إلى اتخاذ خطوات أكبر لاستقبال اللاجئين وتقديم الدعم للبلدان التي تستضيفهم.

(*) موقفه من القضايا العالمية: أعرب البابا ليو الرابع عشر عن قلقه العميق إزاء النزاعات المسلحة التي تهدد الأمن والاستقرار في أجزاء متعددة من العالم، وعلى رأسها الحرب الروسية–الأوكرانية والنزاع المستمر بين الهند وباكستان. وفيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، شدّد البابا على ضرورة وقف إطلاق النار فورًا، والعودة إلى طاولة الحوار، مؤكدًا أن معاناة المدنيين لا يجب أن تكون ورقة تفاوض، بل ندا عاجل للضمير الإنساني.

كما دعا إلى احترام القانون الدولي وكرامة الشعوب، وأشار إلى أن القوة لا تصنع سلامًا دائمًا. وبالنسبة للتوتر بين الهند وباكستان، خاصة في كشمير، عبّر البابا عن أمله في أن تُغلب لغة العقل والمصالحة على الانقسام والعنف، مناشدًا الجانبين التزام نهج الحوار وتفادي التصعيد. وتُظهر هذه المواقف أن البابا الجديد يواصل خطًا قيميًا يدين الحرب ويدعم الحلول السلمية، في انسجام مع تقاليد الفاتيكان المناهضة للعنف والمناصرة للعدالة الدولية.

ختامًا، يُتوقع أن يلعب البابا ليو الرابع عشر دورًا حاسمًا في معالجة قضايا الشرق الأوسط، خاصة في ظل الأزمات المستمرة مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والهجوم على غزة. وبناءً على خلفيته الإنسانية وفكره الإصلاحي، من المحتمل أن يحافظ البابا على مواقف البابوية التقليدية التي تدعو إلى السلام والعدالة. وفي الوقت نفسه، سيضطر البابا الجديد إلى مواجهة التحديات السياسية المعقدة من منظور أخلاقي يفرض عليه الوقوف إلى جانب حقوق الشعوب المظلومة. وبالتالي، قد يشكّل البابا ليو الرابع عشر نقطة فارقة في دور الفاتيكان في السياسة العالمية، حيث تُظهر الإشارات المبكرة من الفاتيكان، سواء في مراسم التنصيب أو التصريحات الأخيرة خلال خطابه الأحد 11 مايو 2025، أن هذه البابوية ستكون منبرًا لصوت إنجيلي جريء ينحاز إلى القيم الإنسانية في قضايا الحق والعدالة؛ من أجل إحلال السلام محل الحرب.