تساؤلات يشوبها القلق حول صلابة وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، بعد 4 أيام من الاشتباكات العنيفة التي كادت تدفع الدولتين النوويتين إلى حرب شاملة، فهل ستسكت البنادق والصواريخ والمسيرات؟.. أم أن الهدوء الحذر قابل للاشتعال مرة أخرى على طول خط المواجهة؟
أسباب الإعلان
أرجع هيثم ناصر، الصحفي والباحث السياسي في الشأن الباكستاني، لموقع قناة "القاهرة الإخبارية" الاتفاق بين الهند وباكستان إلى التطورات الميدانية العسكرية وما شهدناه من استعراض قوى من جانب نيودلهي، ردت عليه إسلام أباد بالجولة الأولى في المعركة الجوية عن طريق إسقاط 5 طائرات، ومن ثمّ تبادل الإطلاق المدفعي والمسيرات ومن بعدها إطلاق باكستان لعمليتها "البنيان المرصوص".
وقال "ناصر": "يبدو أن نيودلهي لم تتوقع أن تكون باكستان جاهزة لهذا الحد، بمعنى أن لديها بنك أهداف داخل الأراضي الهندية، وقدرة على تجاوز الرادارات ومهاجمة أهداف ذات قيمة من مراكز دفاعية وقواعد جوية ومخازن أسلحة".
في المقابل، فسّر جولريز شيخ، خبير الشؤون الجيوستراتيجية الهندي، سبب التوصل إلى الاتفاق، إلى الإجراءات العسكرية والدبلوماسية التي اتخذتها الهند عقب الهجوم الإرهابي الذي وقّع في 22 أبريل 2025 في باهالجام، جامو وكشمير، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا، معظمهم من السائحين.
وأضاف أن تلك الإجراءات دفعت باكستان إلى بدء محادثات هدنة، ما أدى إلى اتفاق على وقف جميع عمليات إطلاق النار والأعمال العسكرية، وفقًا لتصريحات "شيخ" لموقع "القاهرة الإخبارية".
مدى استدامته
ويرى الباحث الهندي جولريز شيخ، أن استدامة وقف إطلاق النار غير مؤكدة، موجهًا أصابع الاتهام إلى باكستان، قائلًا إنه :"بعد ساعات من الهدنة اتضح أنه اتفاق غير مؤكد عندما شُنّت هجمات بطائرات بدون طيار وقصف جامو وسريناجار وعلى طول خط السيطرة".
ومع ذلك، أكد أن الاستعداد العسكري القوي للهند وتحذيرها الواضح من أن أي انتهاكات مستقبلية ستستدعي ردًا حاسمًا يعززان من إمكانية إطالة أمد وقف إطلاق النار.
ولم يختلف رأي "ناصر" الباحث في الشأن الباكستاني كثيرًا عن سابقه، إذ يعتقد أن يكون وقف إطلاق النار الحالي غير ملزم بطريقة دقيقة للطرفين، إلا أنه أشار إلى أنه يتسبب في عدم وقوع تصعيد مشابه في المدى القريب.
ووفقًا لـ"ناصر"، انتهت الجولة الأولى ربما يكون لها تبعات تتمثل في تبادل إطلاق نار بأسلحة خفيفة أو تبادل مدفعي على الحدود لكن ليس أكثر من ذلك.
اختبار الآخر
وأشار هيثم ناصر، إلى أن البلدين وظّفا التصعيد والمواجهات العسكرية حتى تختبر كل دولة قدرات جارتها النووية، وكذلك قدراتها الذاتية على الهجوم والدفاع، مشيرًا إلى أنه سيراجع الطرفين كل القصور ومحاولة تقويمها ومحاولة تطوير القدرات الدفاعية للتعامل مع هذه الحيثيات في المستقبل.
كما ستعيد كل جهة النظر في الجوانب التي لم تعمل بشكل جيد، وعلى سيبل المثال، ستُجري الهند تحقيقًا في إسقاط باكستان 5 طائرات مقاتلة، وكيف وصلت المسيّرات إلى سماء نيودلهي، وكيف لم تسقط أجهزة الدفاع الصواريخ التي أطلقت على القواعد العسكرية.
وأكد "ناصر" أنه وعلى الوتيرة نفسها، ستنظر باكستان إلى كيف وصل صاروخ بالقرب من قاعدة نور خان المهمة، في حين عدم تعرضها من الأجهزة الدفاعية.
تأثيره في كشمير
وعن الوضع الحالي في إقليم كشمير بعد إعلان الاتفاق، يرى الباحث الهندي جولريز شيخ "أنه يُتيح وقف إطلاق النار هدنة مؤقتة لكشمير، ما يُقلل من العنف العابر للحدود ويُمكّن الهند من التركيز على استقرار المنطقة".
وبحسب وجهة نظره "أنه من خلال الحد من قدرة باكستان على دعم الأنشطة الإرهابية عبر خط السيطرة، يُمكن للهند تعزيز التدابير الأمنية. ومع ذلك، يجب على الهند أن تظلّ استباقية في مواجهة العمليات السرية الباكستانية لضمان سلام طويل الأمد".
أما "ناصر"، فأكد أن الوضع في كشمير لن يتغير بإعلان الاتفاق من قِبل الجانبين الهندي والباكستاني، إذ يبقى الوضع على ما هو عليه مع حالة من التوتر واتهام جزء من سكانه بالتعاون مع الجماعات الباكستانية المسلحة ضد الهند.
مغامرات غير محسوبة
في حين يعتقد "ناصر" أن مخاطر انهيار الاتفاق تتمثل في مغامرة غير محسوبة من قبل أحد الطرفين وعودته للقتال بشكل أو بآخر، لكن ليس مجرد خرق خفيف، بينما يرى "شيخ" أن استمرار دعم باكستان للجماعات المسلحة- حسبما تؤكد الهند مرارًا وتنفي باكستان-، قد يستفز الهند لشن ضربات انتقامية، ما يؤدي إلى تصعيد التوترات.
وقال الباحث الهندي جولريز شيخ: "قد تؤدي الحسابات الخاطئة من قبل الجيش الباكستاني إلى اندلاع اشتباكات. ومع ذلك، فإن آليات الدفاع للهند، يخفف من هذه المخاطر من خلال وضع عبء الالتزام بالاتفاقية على باكستان أو مواجهة عواقب وخيمة".
الابن العاق
وفي النهاية قال هيثم ناصر، الباحث في الشأن الباكستاني، إن لغة حوار الهند مع باكستان لا تهدف للبحث عن حلول وإنما ينطق لسان حالها دائمًا "نحن أصحاب القوة والدولة التي تمثل قارة، وكلمتنا يجب أن تكون مسموعة"، وأضاف أنها تنظر لباكستان كأنها الابن العاق الذي تمرد.
وأكد أن ذلك لن يحدث ليس فقط بسبب المشكلات التي أسست عليها باكستان، وإنما أيضًا بسبب تراكمات لأكثر من 70 عامًا.