تحولت الصورة المركبة التي ظهر فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زي البابا، إلى ما يشبه الحقيقة، مع انتخاب أول بابا من أمريكا في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، لخلافة البابا الراحل فرنسيس.
هذا المشهد السريالي أعاد خلط أوراق الجِدّ والمزاح، وأشعل جدلاً واسعًا بين الساسة ورجال الدين والمواطنين، بينما كان التاريخ يكتب في الفاتيكان اسم "ليو الرابع عشر"، ابن شيكاغو، والأمريكي الأول الذي يعتلي العرش الرسولي.
مزحة تثير الغضب
وعقب وفاة البابا فرنسيس، وقبل أيام فقط من إعلان الفاتيكان عن انتخاب الكاردينال الأمريكي روبرت فرانسيس بريفوست بابا جديدًا، نشر الرئيس الأمريكي صورة له عبر منصة Truth Social، ظهر فيها مرتديًا الزي البابوي الأبيض، متوّجًا بقبعة الميتري، وقلادة ذهبية تحمل صليبًا لامعًا.
وقبل أيام من نشر الصورة، التي صُنعت باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مازح ترامب -الذي لا ينتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية- الصحفيين قائلًا: "أرغب في أن أصبح البابا.. سيكون هذا خياري الأول".
في حين ظن البعض أنها مزحة عابرة، اعتبرها كثيرون -لا سيما داخل الأوساط الكاثوليكية- إهانة لمقدساتهم، خصوصًا في ظل الفترة الحساسة التي كانت تمر بها الكنيسة الكاثوليكية بعد وفاة البابا فرنسيس.
وفي منشور لافت على منصة X (تويتر سابقًا)، كتب مؤتمر نيويورك الكاثوليكي، الذي يمثل الأساقفة الكاثوليك: "لا يوجد شيء ذكي أو مضحك في هذه الصورة، يا سيادة الرئيس".
نفي رسمي
في محاولة منه لاحتواء الموقف، نفى ترامب لاحقًا خلال مؤتمر صحفي في المكتب البيضاوي أن يكون له أي علاقة بالصورة، وقال: "لا علاقة لي بالأمر، أحدهم اختلق صورة لي بزي البابا، ونشرها على الإنترنت، لستُ أنا من فعل ذلك، ربما كان الذكاء الاصطناعي"، وفق "ذا جارديان".
رغم هذا النفي، لاحظ الصحفيون أن الصورة نُشرت عبر حساب ترامب الشخصي على Truth Social، كما تداولتها حسابات أخرى مرتبطة بالبيت الأبيض، وزاد من تعقيد الموقف ردّه المستهزئ على استياء الكاثوليك، إذ قال: "لا يطيقون المزاح أنت لا تقصد الكاثوليك، بل تقصد وسائل الإعلام الكاذبة، لقد أحبّ الكاثوليك ذلك".
بابا من شيكاغو
بينما كانت صورة ترامب تُثير الضجيج، جاء الإعلان التاريخي من الفاتيكان، ليأتي الكاردينال روبرت فرانسيس بريفوست، من مواليد شيكاغو، بابا جديدًا للكنيسة الكاثوليكية، تحت اسم البابا ليو الرابع عشر.
ترامب، على غير المتوقع، سارع إلى تهنئة البابا الجديد في منشور على Truth Social: "تهانينا للكاردينال روبرت فرانسيس بريفوست، الذي عُيّن مؤخرًا بابا.. إنه لشرف عظيم أن أُدرك أنه أول بابا أمريكي.. أتطلع للقاء البابا ليو الرابع عشر. ستكون لحظة بالغة الأهمية".
ردود فعل من البيت الأبيض
نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، المعروف بمواقفه الكاثوليكية، علّق على الحدث قائلًا: "على يقين بأن ملايين الكاثوليك الأمريكيين وغيرهم من المسيحيين سيصلّون من أجل نجاحه في قيادة الكنيسة، باركه الله".
أما حاكم ولاية إلينوي، جيه بي بريتزكر، فقال: "من شيكاغو، يفتتح البابا ليو الرابع عشر فصلاً جديدًا.. نرحب به في وقت نحتاج فيه إلى التعاطف والوحدة والسلام"، فيما علّق عمدة شيكاغو، براندون جونسون، بحماسة عبر منصة X: "كل ما هو رائع، بما في ذلك البابا، يأتي من شيكاغو.. تهانينا لأول بابا أمريكي، ليو الرابع عشر".
احتفالات في أمريكا
في مدرسة "أكاديمية سيدة جبل الكرمل" شمال شيكاغو، دوّت أصوات الطلاب في الكافيتريا صارخةً "Habemus Papam" وسط أعلام الولايات المتحدة.
وقال رئيس جامعة فيلانوفا، التي تخرّج فيها البابا الجديد عام 1977، القس بيتر م. دونوهو، في بيان رسمي: "قيادة البابا ليو الرابع عشر، المعروف بتواضعه وحكمته ودفئه، تتيح لنا فرصة لتأكيد التزامنا برسالتنا التعليمية".
من جهته، رحّب ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، بانتخاب البابا، مؤكدًا أن "الولايات المتحدة تتطلع إلى تعميق علاقتها الدائمة مع الكرسي الرسولي".
وغرّدت السفارة الأمريكية لدى الفاتيكان: "بكل فرح نعرب عن تهانينا القلبية لأول بابا من الولايات المتحدة الأمريكية".
الكنيسة تحتفل
أبرشية ديترويت أصدرت بيانًا باسم رئيس الأساقفة إدوارد جيه وايزنبرجر جاء فيه: "إن انتخاب البابا ليو الرابع عشر يُشعرني بفرحٍ استثنائي لم أتوقع انتخاب مواطن أمريكي لمنصب البابا".
وأشار البيان إلى أن خدمة البابا الجديد في أمريكا اللاتينية، خصوصًا في بيرو، زادت من عمق تجربته الكنسية والراعوية، ما يؤهله لبابوية ذات طابع شامل وإنساني.
وفي كل الأحوال، يبقى انتخاب البابا ليو الرابع عشر، البابا الأمريكي الأول، حدثًا تتقاطع فيه السياسة، والدين، والثقافة الشعبية في صورة واحدة "أمريكي يرتدي الأبيض، لكن هذه المرة، ليس رئيسًا.. بل بابا".