في الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الأمريكية لفرض مزيد من الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية ضمن سياسة "أمريكا أولًا" التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شعار مرحلته، لجأ عدد متزايد من المصدرين الصينيين إلى حيل مختلفة لتفادي هذه التكاليف، ما أثار قلق الشركات الأمريكية وزاد من صعوبة ضبط السوق.
وكشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في تحقيق موسع أن الموردين الصينيين يقدمون عروضًا للشركات الأمريكية الصغيرة لتخفيض قيمة البضائع أو تغيير وصفها في الوثائق الجمركية، بهدف تقليص الرسوم المستحقة عند دخولها الأراضي الأمريكية. بل إن بعض هذه الشركات عرضت تسجيل نفسها كمستورد أجنبي قانوني، لتتحمل المسؤولية مباشرة عن الرسوم، ما يعقّد عملية المراقبة والملاحقة القانونية.
وتعليقًا على هذه القضية، قال ريان بيترسون، الرئيس التنفيذي لمنصة "فليكسبورت" للخدمات اللوجستية، إنهم رصدوا مصانع صينية تعرض دفع الرسوم الجمركية بالكامل، لتبيع منتجاتها داخل السوق الأمريكية بأسعار أقل من كلفة الرسوم المفروضة. هذا التوجه، بحسب بيترسون، يهدد مساعي واشنطن لتحفيز الصناعة المحلية ويترك المستهلكين الأمريكيين في مواجهة سوق مختلة.
دان هاريس، محامٍ مختص في قضايا الاستيراد من الصين، أكد أن هذه الممارسات لا تخرج عن إطار "التهرب الجمركي"، لكنه أشار إلى أن السلطات الأمريكية تواجه صعوبة في ملاحقة الشركات الصينية المتورطة، إذ ينصب تركيزها غالبًا على الشركات الأمريكية المتعاونة.
من جهته، أعرب آرون روبين، مالك شركة "شيب هيرو" وموزع معدات فنون القتال "93 براند"، عن قلقه من أن المنافسين الذين يقبلون هذه الصفقات المشبوهة سيحظون بأفضلية غير عادلة في السوق، مهددًا استمرارية الأعمال الملتزمة بالقانون.
وقال روبين: "إذا دفع المنافسون رسومًا أقل، فلا أستطيع ببساطة مواصلة المنافسة".
أحد مالكي شركات الأغذية في كاليفورنيا، الذي فضّل عدم كشف اسمه، قال إن أحد مورديه الصينيين عرض عليه تغيير تفاصيل الفواتير للتهرب من الرسوم بعد الإعلان عن زيادتها.
وأضاف: "خياري الوحيد هو تسريح العمال أو الانخراط في عملية الاحتيال".
وتكشف الوثائق التي اطلعت عليها الصحيفة البريطانية أن شركات مثل «No Tox Life» الأمريكية، التي تصنّع منتجات تجميل وصابون في تكساس لكنها تستورد مواد تعبئة من الصين، تلقت عروضًا مماثلة من مورديها القدامى.
وفي هذا الصدد، قالت كالي ميلفورد، المؤسسة المشاركة للشركة، إن الموردين أخبروها بأن الأسعار لن ترتفع لأنهم سيتكفلون بالرسوم عبر التلاعب بقيمة الشحنات.
على المستوى السياسي، أعرب السيناتور الجمهوري بيل كاسيدي عن قلقه، مشيرًا إلى أن هناك حاجة لتزويد هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية بأدوات أفضل لمراقبة الشحنات الواردة من الصين. وكشف أنه يعمل على إعداد مشروع قانون يهدف إلى تحسين الشفافية في سلاسل الإمداد العالمية.
ورغم تعهد هيئة الجمارك بتطبيق أقسى العقوبات المسموح بها قانونًا، تُظهر التقارير أن الموردين الصينيين باتوا يطورون أساليبهم، بما في ذلك إنشاء شركات وهمية أو تمرير البضائع عبر دول ثالثة.