الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

60 يوما من العطش والجوع.. خلافات إسرائيلية داخلية ومأساة إنسانية متفاقمة في غزة

  • مشاركة :
post-title
مأساة إنسانية متفاقمة في غزة

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

كشفت هيئة البث الإسرائيلية مؤخرًا، أن المستوى السياسي الإسرائيلي لا يزال متمسكًا برفضه القاطع إدخال أي مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، في ظل وجود خلاف حاد بين رئيس الأركان من جهة ووزيري الأمن القومي والاستيطان من جهة أخرى، بشأن المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر، في حين يأتي هذا الموقف المتشدد في وقت تجاوزت فيه مدة الحصار الشامل، الذي تفرضه إسرائيل على القطاع الستين يومًا متواصلة، ما أدى إلى حدوث كارثة إنسانية غير مسبوقة، حسبما تكشف تقارير إعلامية عالمية ومنظمات دولية.

الموقف الإسرائيلي والدعوات الدولية

تصر إسرائيل على موقفها بعدم التراجع عن الحصار حتى تطلق حركة حماس سراح المحتجزين، الذين في قبضتها بعد انهيار وقف إطلاق النار الذي استمر لشهرين، مارس الماضي، وبحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز، تجادل السلطات الإسرائيلية بأن حصارها قانوني، وأن غزة لا تزال تملك ما يكفي من المؤن المتاحة.

في المقابل، يتهم المسؤولون الأوروبيون والمنظمات الإنسانية إسرائيل باستخدام المساعدات كـ"أداة سياسية"، محذرين من أن الحصار الشامل ينتهك القانون الدولي.

وأطلق توم فليتشر، رئيس الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، نداءً عاجلًا للسلطات الإسرائيلية، قائلًا: "نقول مرة أخرى: ارفعوا هذا الحصار الوحشي"، مضيفًا بنبرة يائسة: "للمدنيين المتروكين دون حماية، لا يمكن لأي اعتذار أن يكفي. لكنني آسف حقًا لأننا غير قادرين على تحريك المجتمع الدولي لمنع هذا الظلم".

أزمة المستشفيات

يواجه القطاع الطبي في غزة وضعًا كارثيًا مع نفاد الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية.

وفي السياق ذاته، كشف منير البرش، المدير العام لوزارة الصحة في غزة، في تصريحات لصحيفة نيويورك تايمز، أنه أصبح عاجزًا عن تقديم أي حلول للمكالمات المتزايدة التي يتلقاها من الأطباء الذين يبحثون عن أدوية لإنقاذ حياة المرضى، وقال بنبرة حزينة: "لا توجد نصيحة يمكنني تقديمها لهم، في معظم الحالات، يموت هؤلاء المرضى".

وفي مستشفى الشفاء، يشهد الدكتور غازي اليازجي، رئيس قسم أمراض الكلى، مرضاه وهم يذبلون أمام عينيه دون أن يستطيع مساعدتهم، موضحًا لصحيفة نيويورك تايمز: "مرضى غسيل الكلى بحاجة إلى نظام غذائي متوازن، لكن الجميع يعيشون بشكل رئيسي على الأطعمة المعلبة".

واضطر "اليازجي"، بسبب نقص الأدوية، إلى تقليص جلسات غسيل الكلى الأسبوعية لمرضاه من ثلاث مرات إلى مرتين في الأسبوع، مع تقصير مدة الجلسة، قائلًا: "هذا التقنين سيؤدي تدريجيًا إلى تراكم السموم في أجسامهم، لكن ليس هناك خيار آخر، وإلا سيبقى المرضى دون غسيل كلى تمامًا، وهو ما سيكون قاتلًا".

وأشارت إحصائيات وزارة الصحة في غزة إلى أن مخازنها نفد منها 37% من "الأدوية الأساسية"، وأن أدوية ضغط الدم والسكري آخذة في التناقص تدريجيًا، بينما القساطر القلبية شبه مستنفدة، وأن أي شخص يحتاجها من المرجح أن يموت.

الطعام والماء

يواجه الغزيّون صراعًا يوميًا مريرًا للحصول على ضروريات الحياة الأساسية، إذ أغلقت المخابز أبوابها، وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، أواخر الشهر الماضي، أن مخزونها من الدقيق نفد، كما أفاد برنامج الأغذية العالمي بأنه سلم آخر إمداداته إلى مطابخ الطعام.

وبحسب شهادات عدة نقلتها صحيفة نيويورك تايمز، فإن الطعام الوحيد المتاح للعديد من الغزيين، خاصة أولئك الذين يشكلون 90% من السكان النازحين والذين يعيشون معظمهم في خيام، يأتي من مطابخ الجمعيات الخيرية المحلية، وبعضها تعرض للنهب مع تعمق أزمة الجوع.

ويقول أحمد محسن - 30 عامًا - عامل بناء، تحدث لصحيفة نيويورك تايمز، إنه يقضي نحو ساعتين يوميًا واقفًا في طابور لملء قدره بالطعام، وفي اليوم الذي التقته فيه الصحيفة، كل ما حصل عليه كان أرزًا سادة، مضيفًا بحسرة: "تخيل أنك لم تتذوق اللحم أو البيض المسلوق أو حتى تفاحة منذ أشهر".

وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعًا جنونيًا، إذ وصل سعر علبة الخضروات المعلبة إلى نحو 8 دولارات، أي عشرة أضعاف سعرها قبل الحصار، بينما ارتفع سعر كيس الدقيق من 5 دولارات إلى نحو 300 دولار، وهي أسعار لا يمكن تحملها لسكان يعانون الفقر المدقع ويعجزون عن العمل في ظل الحرب المستمرة.

استراتيجيات البقاء وسط الجوع المتزايد

روت صحيفة نيويورك تايمز، قصة أحمد النمس -32 عامًا - بائع خضار نازح إلى مدينة غزة، الذي يعيش مع عائلته على علبة طعام من حين لآخر ومخزون من الدقيق والعدس والفاصوليا تأمل العائلة أن تمدها لعدة أسابيع أخرى من خلال تقنين الطعام وتناول وجبة واحدة يوميًا.

وأوضح النمس أن والدته تطهو على نار تشعلها بأحذية ممزقة لعدم وجود وقود، وقال بألم: "نأكل مرة واحدة في اليوم، في الظهيرة، وهذا كل شيء. أشعر بأنني لا أستطيع التنفس عندما أرى إخوتي وأخواتي لا يزالون جائعين".

وفي ظل هذه الظروف القاسية، بدأ نظام مراقبة سوء التغذية المدعوم من الأمم المتحدة، وهو التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، مراجعة جديدة لتحديد ما إذا كانت الظروف في غزة ترقى إلى مستوى المجاعة، خاصة بعد أن كشفت الأمم المتحدة أن 91% من السكان الذين تم تحليل أوضاعهم، أي ما يقرب من مليوني شخص، يعانون "انعدام الأمن الغذائي"، مع معاناة معظمهم من مستويات "طارئة" أو "كارثية".

أزمة المياه

تفاقمت أزمة المياه النظيفة بشكل كبير، إذ أفادت باولا نافارو، منسقة المياه والصرف الصحي في منظمة أطباء بلا حدود في غزة، لصحيفة نيويورك تايمز،ب أن مولدات محطة تحلية المياه الرئيسية في غزة لا تنتج سوى 10% فقط من قدرتها المعتادة، بعد أن قطعت إسرائيل الكهرباء ضمن إجراءات الحصار.

وحذّرت "نافارو" من أن حتى هذا الإنتاج المحدود معرض للخطر، مشيرة إلى أن "90% من مخزون الوقود في غزة لا يمكن الوصول إليه بسبب أوامر الإخلاء" التي فرضتها إسرائيل، مضيفة أن معظم سكان غزة لا يستطيعون الحصول على المياه النظيفة، بسبب الأضرار الواسعة التي لحقت بأنابيب المياه وفترات الانتظار الطويلة عند شاحنات المياه.

وتضطر العديد من العائلات إلى اللجوء إلى آبار بمياه غير صحية أو استخدام أنابيب المياه الإسرائيلية، التي تصل إلى غزة لكنها تضررت خلال الحرب.

وأدى استخدام المياه غير النظيفة إلى ارتفاع حالات اليرقان والإسهال والجرب، كما توضح نافارو.