في تطور كبير يعكس رغبته المتزايدة في السيطرة المباشرة على قرارات السياسة الخارجية الأمريكية، أقال الرئيس دونالد ترامب مستشار الأمن القومي مايك والتز، وكلف وزير الخارجية ماركو روبيو بمهام المنصب بشكل مؤقت؛ تأتي هذه الخطوة لتعزز نمط "أمريكا أولًا" الذي ينتهجه ترامب، وتمنحه مزيدًا من الحرية لاتباع ميوله السياسية الخاصة في التعامل مع التحديات العالمية المتعددة، وفقًا لـ"صحيفة وول ستريت جورنال".
ترامب صانع القرار الأوحد
منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، بدا من الواضح أن ترامب هو صانع القرار الرئيسي في قضايا السياسة الخارجية، معتمدًا على دائرة استشارية غير تقليدية تتجاوز المؤسسات الرسمية لتشمل رجال أعمال وشخصيات مؤثرة من عالم "ماجا" المؤيد له.
وصف ريتشارد هاس، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية الذي خدم في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والبنتاجون، الوضع الحالي بدقة حين قال لـ"وول ستريت جورنال": "هذه هي الإدارة الأكثر اعتمادًا على قمة الهرم في الذاكرة الحديثة. هذه ليست إدارة يقودها الموظفون".
شبكة المستشارين الموازية
أبرز مستشاري ترامب نفوذًا ليس من بين أعضاء مجلس وزرائه، بل هو ستيف ويتكوف، قطب العقارات والمبعوث الخاص للرئيس، الذي يتفق مع "تقريبًا كل واحدة" من سياسات الرئيس.
ولا يقتصر الأمر على ويتكوف، إذ تؤثر شخصيات من اليمين المتطرف مثل لورا لومر في قرارات توظيف حساسة، مما يكشف عن مدى تأثير المقربين من خارج المؤسسات التقليدية على سياسات البيت الأبيض.
سيطرة روبيو
وصف ترامب تكليف روبيو بمنصب مستشار الأمن القومي بأنه "مؤقت"، ما أثار تكهنات حول المرشح الدائم للمنصب، إذ سيكون روبيو أول شخص منذ هنري كيسنجر يجمع بين منصبي مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية في آن واحد، إلا أن قلة يتوقعون أن يتمكن روبيو من فرض سيطرة شبيهة بكيسنجر على السياسة الخارجية.
وعلق جون بولتون، أحد مستشاري الأمن القومي لترامب في فترة ولايته الأولى، على هذا التشبيه قائلًا لصحيفة "وول ستريت جورنال": "كيسنجر تولى المنصبين في خضم أزمة ووترجيت وبقي بعد استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون. كانوا في أزمة دستورية حقيقية، ليس هذا فألًا حسنًا لترامب". يُذكر أن بولتون نفسه اصطدم مع ترامب لشهور قبل إقالته من المنصب في 2019.
تاريخ ترامب مع المستشارين
تشير الصحيفة الأمريكية إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يغير فيها ترامب مستشاره للأمن القومي، فخلال فترة ولايته الأولى، تعاقب أربعة مستشارين على هذا المنصب الحساس، بدءًا بالجنرال السابق مايك فلين الذي استمر أقل من شهر، تلاه الجنرال هربرت ريموند ماكماستر، الذي وجد نفسه في وضع غير مريح كضابط صريح يسعى لتحديد خيارات السياسة بينما كان مؤيدو "أمريكا أولًا" ينتقدونه من بعيد، أقاله ترامب في 2018، وروى لاحقًا في مذكراته أنه قال لزوجته: "بعد أكثر من عام في هذه الوظيفة، لا يمكنني فهم سيطرة بوتين على ترامب".
كان روبرت أوبراين، الذي أصبح مستشارًا للأمن القومي بعد بولتون، أكثر براعة في التعامل مع ترامب، إذ عمل على ترجمة دوافع الرئيس إلى سياسات، وأشرف على إتمام اتفاقيات أبراهام لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية، أحد أبرز إنجازات ترامب في السياسة الخارجية.
أما والتز، وهو ضابط سابق في القوات الخاصة ونائب عن فلوريدا، فلم يكن له قاعدة في عالم "أمريكا أولًا"، عندما أصبح مستشارًا للأمن القومي، إذ واجه صعوبات في نقل أولويات الرئيس الأمنية على شاشات التلفزيون، وبدت وجهات نظره العدائية التقليدية تجاه روسيا وإيران متعارضة مع بعض ميول ترامب.