أظهرت سلسلة من استطلاعات الرأي، أُجريت مؤخرًا، تراجعًا ملحوظًا في شعبية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد مرور 100 يوم على توليه منصبه للمرة الثانية، بحسب صحيفة "ذا هيل".
وأثارت نتائج الاستطلاعات قلقًا متزايدًا داخل الحزب الجمهوري، مع استعدادات الحزب لانتخابات التجديد النصفي بالكونجرس القادمة، إذ ارتبط هذا التراجع بشكل وثيق بسياسات ترامب التجارية المثيرة للجدل، وخاصة التعريفات الجمركية الجديدة.
تأثير التعريفات الجمركية
كشف استطلاع أجرته مؤسسة "ديسيجن ديسك إتش كيو" أن معدل الموافقة على أداء ترامب انخفض إلى 44%، مقابل 56% عبروا عن عدم رضاهم عن أدائه الرئاسي.
وأوضحت نتائج الاستطلاع أن 64% من المشاركين يعتقدون أن التعريفات الجمركية تضر بالمستهلكين، فيما أعرب 91% عن قلقهم بشأن التضخم، وهي القضية التي اعتمد عليها ترامب في حملته الانتخابية.
وجاءت هذه النتائج متوافقة مع استطلاعات أخرى أكدت المنحنى السلبي لشعبية ترامب، إذ أظهر استطلاع مشترك أجرته صحيفة "واشنطن بوست" وشبكة "إيه بي سي نيوز" ومؤسسة "إبسوس" انخفاضًا في نسبة الموافقة على أداء ترامب من 45% في فبراير إلى 39% في مارس.
وبالمثل، سجَّل استطلاع أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" تراجعًا مماثلًا، بعدما قال 42% فقط من المستطلعين إنهم يوافقون على أدائه.
رؤية الخبراء الجمهوريين
يرى كيفن مادن، الاستراتيجي الجمهوري، في تصريحات لـ"ذا هيل"، أن ترامب فاز في عام 2024 لأن "تحالفًا أوسع من الناخبين كانوا يشعرون بالحنين إلى اقتصاد ما قبل كوفيد خلال فترة ترامب الأولى، واعتقدوا أنه كان أفضل استعدادًا لمعالجة مخاوفهم بشأن التضخم".
وأضاف: "انخفضت شعبيته لأن سعيه لتبني سياسات تجارية تقييدية وتعريفات جمركية أعلى أثار جولة جديدة من المخاوف بين الناخبين".
فيما أكدت السيناتور شيلي مور كابيتو، عضو القيادة الجمهورية، في حديث مع "ذا هيل"، أن "ما يثير قلق الناس هو اقتصاديات بروتوكول التعريفة الجمركية وعدم اليقين المحيط به، وأعتقد أن ترامب يدرك ذلك".
من جهتها، أشارت سوزان ديل بيرسيو، الاستراتيجية الجمهورية التي لا تدعم ترامب، إلى أن الرئيس استفاد من "شيء من مخلفات بايدن" في بداية رئاسته، إذ صوّت الناخبون المستاؤون من ارتفاع الأسعار لصالح التغيير، لاعتقادهم أن البلاد كانت تسير في الاتجاه الخاطئ تحت قيادة بايدن، ولكنهم الآن لا يرون هذه التغييرات في الأسعار كما وُعِدوا.
انتخابات التجديد النصفي
وعبر المحللون الجمهوريون عن مخاوفهم من تأثير تراجع شعبية ترامب على فرص الحزب في انتخابات التجديد النصفي المقبلة، إذ يحذر "مادن" من أن هذا الانخفاض في الاستطلاعات هو "بالضبط نوع التحول الذي تقلق بشأنه قبل انتخابات التجديد النصفي"، موضحًا: "عندما تفقد الوسط الكبير من الناخبين، تبتعد عنك السباقات المتأرجحة ويمكن أن تتحول المناطق التي عادة ما تتمتع بهوامش حزبية مريحة إلى منافسات مفاجئة".
وأكدت ديل بيرسيو أن "فريق ترامب لا يهتم بأرقامه بقدر ما يهتم بها الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ"، مشيرة إلى أن الوضع السياسي للحزب يختلف عن وضع الرئيس الشخصي، خاصة مع اقتراب الانتخابات النصفية.
إستراتيجية الإنكار
رغم تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي، يبدو أن ترامب يتبنى استراتيجية الإنكار والتشكيك في دقة هذه الاستطلاعات، ففي خطاب ألقاه بمناسبة مرور 100 يوم على توليه منصبه، تفاخر بأن الأسعار "آخذة في الانخفاض بشكل كبير"، وقال: "أسعار البنزين انخفضت كثيرًا.. أسعار الطاقة منخفضة.. معدلات الرهن العقاري منخفضة.. أسعار الأدوية الموصوفة شهدت أكبر انخفاض على الإطلاق في تاريخها.. أسعار البقالة انخفضت. كل شيء انخفض".
كما شكك ترامب في منهجية استطلاعات الرأي، قائلًا: "إنهم يستطلعون آراء الديمقراطيين أكثر من الجمهوريين"، في محاولة لتقويض مصداقية النتائج التي تظهر تراجع شعبيته.
فرصة الديمقراطيين
يمثل تراجع شعبية ترامب فرصة للديمقراطيين لإعادة تنظيم صفوفهم وتحديد اتجاه جديد لحزبهم، إذ دعا بعض قادة الحزب إلى استغلال أداء ترامب في استطلاعات الرأي لإظهار للناخبين أنه لم يفِ بوعوده الانتخابية.
في هذا السياق، قدم حاكم إلينوي جيه بي بريتزكر، الذي يُتوقع أن يخوض حملة رئاسية في عام 2028، دعوة للمواجهة المباشرة مع ترامب، وقال في اجتماع مع مجموعة من الديمقراطيين في نيو هامبشاير: "حان الوقت للقتال في كل مكان ودفعة واحدة.. لم أدعُ من قبل في حياتي إلى احتجاجات جماعية إلى تعبئة أو تعطيل، لكنني أفعل ذلك الآن.. لا يمكن لهؤلاء الجمهوريين أن يعرفوا لحظة من السلام.. المحاسبة أخيرًا هنا".
بين التراجع والثقة
على الرغم من المؤشرات السلبية في استطلاعات الرأي، يرى بعض الاستراتيجيين الجمهوريين أن الوضع ليس بهذا السوء، إذ يقول شيرميكائيل سينجلتون، الاستراتيجي الجمهوري الذي عمل في إدارة ترامب الأولى: "أرقام استطلاعات الرأي ترتفع وتنخفض.. هذا جزء من السياسة".
وأضاف أن "كل قائد يجب أن يقود بطريقة يعتقد أنها ستحقق أفضل النتائج للأشخاص الذين صوتوا له، وأحيانًا لا تكون الطريقة التي يفسر بها الناس هذه الأشياء متزامنة دائمًا، لذلك عليه إجراء تعديلات".
ويشير سينجلتون إلى نقطة مهمة في استطلاع "واشنطن بوست"، وهي أنه على الرغم من تراجع معدل الموافقة على ترامب، إلا أنه لا يزال يحظى بثقة أكبر من الديمقراطيين في الكونجرس، مؤكدًا: "إنهم لا يزالون يثقون به أكثر من الديمقراطيين لقيادة البلاد، وهذا يقول الكثير".