لم يكن أحد يتوقع أن يعم الظلام فجأة دولتي إسبانيا والبرتغال، فتتعطل إشارات المرور، وتتوقف القطارات، وتُغلق المتاجر أبوابها وسط حالة من الذهول، إذ غابت الكهرباء عن مدن بأكملها، لتتحول الحياة اليومية إلى سباق مع المجهول. من مدريد إلى لشبونة، ومن فالنسيا إلى بورتو، دوّى السؤال ذاته في أذهان الملايين: ماذا يحدث؟
وحسب شبكة "بي بي سي" البريطانية، فإن هذا الانقطاع واسع النطاق شلّ حركة الحياة الطبيعية في إسبانيا والبرتغال، وسط محاولات حثيثة من السلطات لفهم الأسباب واستعادة الإمدادات.
انقطاع مفاجئ
بدأت مؤشرات الكارثة الكهربائية عندما وردت تقارير محلية عن اختناقات مرورية خانقة وسط العاصمة الإسبانية مدريد بسبب توقف إشارات المرور، ومع توالي الأنباء، اتضح أن نطاق الانقطاع اتسع ليشمل أجزاءً كبيرة من البلاد وكذلك البرتغال.
وأكدت شركة تشغيل شبكة الكهرباء الإسبانية "ريد إلكتريكا" حدوث انقطاع واسع النطاق في التيار الكهربائي، معلنةً عبر منشور على منصة "X" أنها خصصت جميع مواردها لتحليل أسباب العطل والعمل على استعادة الإمدادات.
في ذات السياق، ذكرت شركة السكك الحديدية الوطنية الإسبانية "رينفي" أن شبكة الكهرباء الوطنية بأكملها انقطعت عند الساعة 12:30 ظهرًا بالتوقيت المحلي، مما أدى إلى توقف القطارات في جميع المحطات دون استثناء.
ذعر واسع على المتاجر
شهدت إسبانيا والبرتغال موجة غير مسبوقة من الشراء بدافع الذعر، عقب انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، ما أدى إلى شلل شبكات النقل وإخلاء رفوف المتاجر وسط مخاوف من استمرار الفوضى.
تجمعت طوابير ضخمة أمام المتاجر والبنوك، في حين ازدحمت محطات الوقود بالسيارات أملاً في التزود بالبنزين. كما تعطلت المطارات وتوقفت خدمات القطارات والمترو، ما أجبر السكان والسياح على البحث عن بدائل وسط ظلام دامس.
رئيس بلدية مدريد ناشد السكان البقاء في أماكنهم، بينما دعا المسؤولون الإقليميون إلى تدخل الجيش. وتسبب العطل، الذي بدأ عند الساعة 12:30 ظهرًا بالتوقيت المحلي، بتوقف محطات الطاقة النووية واعتمادها على مولدات ديزل احتياطية.
وفيما عادت الكهرباء تدريجيًا إلى بعض المناطق، حذرت شركة تشغيل شبكة الكهرباء في البرتغال من أن إصلاح الأعطال قد يستغرق أسبوعًا، مرجحة أن "ظاهرة جوية نادرة" تسببت بتذبذبات شديدة في الجهد الكهربائي أدت إلى انهيار الشبكة.
وسط هذه الأجواء، انتشرت الشائعات بسبب تعطل الإنترنت وشبكات الهاتف المحمول، مما فاقم من حدة الهلع. كما تحقق السلطات الإسبانية في احتمال تعرض الشبكة لهجوم إلكتروني.
مشاهد الإجلاء من أنفاق المترو وانتزاع سيارات الأجرة عكست حجم الأزمة، بينما يحاول السكان التكيف مع الوضع بتأمين الوقود والطعام والماء تحسبًا لامتداد الأزمة لأيام قادمة.
شلل تام في العاصمة
أثّر الانقطاع على حركة النقل العام، حيث تم إخلاء القطارات وتعطلت إشارات المرور، وأُجبر المارة على العودة سيرًا على الأقدام، كما توقفت خدمات مترو مدريد بشكل كامل، بحسب ما أعلنته شركة المترو عبر موقع"X".
في البرتغال، نقلت وكالة "رويترز" عن الشرطة المحلية أن إشارات المرور تعطلت في أنحاء البلاد، وتم إغلاق محطات مترو العاصمة لشبونة وبورتو، بالإضافة إلى توقف القطارات، كما تعثرت خدمات الإنترنت، ما جعل التواصل في بعض المناطق شبه مستحيل.
لم يسلم قطاع الرياضة من آثار الكارثة، حيث تم تعليق اللعب في بطولة مدريد المفتوحة للتنس، إحدى أبرز بطولات الملاعب الرملية، بعد أن تسبب الانقطاع في تعطيل لوحات النتائج والكاميرات داخل الملاعب، واضطر اللاعب البريطاني جاكوب فيرنلي إلى مغادرة الملعب وسط حالة من الفوضى والانقطاع التام للكهرباء.
جهود للإنقاذ
في محاولة عاجلة للسيطرة على الأزمة، أعلنت شركة "ريد إلكتريكا" أنها بدأت في استعادة التيار الكهربائي تدريجيًا في شمال وجنوب البلاد، مؤكدةً أن استعادة هذه المناطق هو "المفتاح" لإعادة تشغيل شبكة الإمداد بالكامل.
وفي فرنسا، تأثرت بعض المناطق بانقطاع التيار لفترة قصيرة نتيجة التأثر بما حدث في إسبانيا والبرتغال، بحسب ما ذكرت شركة تشغيل شبكة الكهرباء الفرنسية "آر تي إي"، التي أعلنت لاحقًا عن عودة الشبكة للعمل بشكل طبيعي.
شهادات من قلب الظلام
توالت شهادات السكان من مختلف أنحاء إسبانيا والبرتغال حول آثار الانقطاع المفاجئ، فتقول إميلي لانسداون من لشبونة، وفق "بي بي سي"، إذ وصفت المشهد قائلةً: "كنا نحاول دفع ثمن وجبة الإفطار، ثم انقطعت الكهرباء فجأة. لا قطارات ولا إنترنت، كل شيء توقف".
أما كيرستي، معلمة بمدرسة دولية قرب مدريد، فقالت إنها لم تستطع العودة إلى منزلها بسبب اختناق حركة المرور بعد تعطل الإشارات الضوئية. كما قالت هانا لوني، المقيمة في مدريد، في رسالة صوتية لمحطة "بي بي سي"، إنها كانت تتسوق في متجر عندما انقطع التيار فجأة، مضيفةً: "خرج الناس من مكاتبهم سيرًا على الأقدام لأنهم لا يعرفون متى ستعود الحافلات".
في بينيدورم، وصف السائح مارك إنجلاند المشهد قائلًا: "انطفأت الأنوار، وأُغلقت الأبواب التلقائية، وأصبح السير في الشارع وكأننا نعيش في مدينة أشباح".
استغاثة وغموض مستمر
دعا رئيس بلدية مدريد، خوسيه لويس مارتينيز ألميدا، السكان إلى البقاء في أماكنهم وتجنب التحرك في الشوارع لتقليل الازدحام، مشددًا على الاتصال بخدمات الطوارئ فقط في الحالات "العاجلة للغاية".
على الصعيد الوطني، استضاف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز اجتماعًا "استثنائيًا" لمجلس الأمن القومي لبحث الأزمة، مؤكدًا أن الحكومة تبذل كل الجهود الممكنة لتحديد مصدر الخلل وإعادة الأمور إلى طبيعتها.
وعلى الرغم من مرور ساعات على بدء الأزمة، لم تقدم السلطات حتى لحظة إعداد التقرير تفسيرًا رسميًا لسبب الانقطاع، وقال مكتب رئيس الوزراء الإسباني إن التحقيق جارٍ لتحديد ملابسات الحادث، فيما توقع إدواردو برييتو، الرئيس التنفيذي لشركة "ريد إلكتريكا"، أن تستغرق عملية استعادة الشبكة بالكامل "من ست إلى عشر ساعات".
تداعيات مُحتملة
مع استمرار انقطاع الكهرباء، أعرب السكان عن قلقهم من تداعيات محتملة في حال استمرار الأزمة لأيام، خاصةً فيما يتعلق بتوفر الغذاء، والماء، والنقد، والوقود. وأفادت تقارير محلية بأن محطات الوقود أُغلقت، وأن أجهزة الصراف الآلي تعطلت، مما يزيد من المخاوف الاقتصادية.
وفي لشبونة، تحدثت المعلمة إيميلي ثوروجود، وفق "بي بي سي"، قائلةً إنها اضطرت إلى التدريس في الظلام، مؤكدةً أن كثيرًا من الآباء سارعوا إلى اصطحاب أطفالهم إلى منازلهم خوفًا من تفاقم الأوضاع.
من ناحية أخرى، ذكرت شركة الطاقة البرتغالية"E-Redes" أنها بدأت إعادة الطاقة تدريجيًا، رغم تعطل موقعها الإلكتروني مؤقتًا بسبب الضغط الشديد على الشبكة.