بالتزامن مع بدء محكمة العدل الدولية، اليوم الاثنين، جلسات استماع علنية بشأن التزامات إسرائيل تجاه الأمم المتحدة ووكالاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع استمرار مواجهة غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة مع نفاد المساعدات وارتفاع الأسعار بشكل جنوني وسط استمرار الحصار الإسرائيلي للقطاع.
المطابخ تستعد للإغلاق
كشفت المنظمات الإنسانية الدولية، بما فيها برنامج الغذاء العالمي ووكالة الأونروا، أنها وزعت آخر مخزونها من الدقيق والمواد الغذائية على عشرات المطابخ المجتمعية في القطاع التي تقدم وجبات أساسية للمحتاجين.
ونقلت صحيفة "ذا جارديان" عن مسؤول أممي كبير قوله: "لم يتبق شيء لإعطائهم الآن، وبمجرد استخدام آخر الإمدادات، ستضطر المطابخ إلى الإغلاق. في الوقت الحالي يصمد الناس بشكل جيد، لكننا نعلم من الأزمات الأخرى أنه عندما تتدهور الأمور، فإنها تتدهور بسرعة كبيرة، ونحن لسنا بعيدين عن تلك النقطة".
وقد امتلأت مخازن المنظمات الإغاثية خلال فترة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس التي بدأت في منتصف يناير وانتهت في أوائل مارس الماضيين، لكنها الآن فارغة تمامًا.
وبحسب هاني أبو قاسيم من مطبخ رفح الخيري في غزة: "هؤلاء الناس الذين يعتمدون علينا مهددون بالمجاعة إذا أغلق هذا المطبخ".
سوق شبه فارغة
تشير الصحيفة البريطانية إلى أن الحصار المشدد الذي فرضته إسرائيل أدى بعد انهيار وقف إطلاق النار إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية، إذ تضاعف سعر كيلو جرام الطماطم أربع مرات ليصل إلى 8 دولارات، وارتفع سعر السكر سبع مرات، بينما ارتفع سعر الدقيق من 10 إلى 15 مرة.
أما منتجات اللحوم والألبان فأصبحت غير متوفرة تمامًا، وأغلقت عشرات المخابز التي كانت تزود مئات الآلاف بالخبز أبوابها.
ونقلت "ذا جارديان" عن أم عبود، أكاديمية وصحفية تبلغ من العمر 45 عامًا من مدينة غزة، قولها: "نأكل وجبتين في اليوم، وأحيانًا وجبة واحدة فقط. لم يتبق لدينا سوى كمية قليلة من الطعام. الظروف المعيشية صعبة للغاية. المستشفيات مدمرة، ولا يوجد علاج أو أدوية متاحة. لا توجد مياه نظيفة أو كهرباء. القمامة تحيط بنا من كل اتجاه. أصبحت غزة مكانًا ملوثًا بالأمراض. الناس يموتون ببطء، كما لو أننا حُكم علينا بالإعدام".
سوء التغذية يهدد آلاف الأطفال
في ظل هذه الظروف القاسية، أفادت الأمم المتحدة بأنها حددت 3,700 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في مارس، بزيادة 80% عن فبراير، ويقوم متخصصون من نظام مراقبة الجوع التابع للأمم المتحدة، وهو التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC)، بإعداد تقييم جديد في غزة، سيتم نشره الشهر المقبل.
وفي معسكر خيام ممتد خارج مدينة خان يونس الجنوبية، أعدت مريم النجار وحماتها وجبة لعائلتهما المكونة من 11 فردًا باستخدام أربع علب من البازلاء والجزر وبعض الأرز ومكعبات المرق والتوابل.
وقالت النجار: "قبل الحرب، كانت عائلتي تتناول وجبة كبيرة من اللحم أو الخضروات المحشوة أو أطباق تقليدية أخرى أيام الجمعة. الآن نأكل البازلاء والأرز. لم نأكل البازلاء المعلبة قبل الحرب أبداً. فقط في هذه الحرب التي دمرت حياتنا".
نقص الإمدادات الطبية
إلى جانب أزمة الغذاء، هناك نقص متزايد في الإمدادات الطبية، إذ ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر: "كل شيء من القفازات المعقمة إلى أكياس الجثث يحتاج إلى تجديد المخزون. هذا تحدٍ مستمر وحاد بشكل خاص حيث نستمر للأسف في رؤية أعداد صادمة من المرضى، بما في ذلك المصابين بجروح بالغة، مما يزيد الضغط على النظام الصحي المنهار".
محكمة العدل الدولية تبحث التزامات إسرائيل
في ذات السياق بدأت محكمة العدل الدولية اليوم الاثنين جلسات استماع علنية تستمر خمسة أيام، بمشاركة 44 دولة و4 منظمات دولية، لبحث التزامات إسرائيل تجاه الأمم المتحدة ووكالاتها وهيئاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى رأسها وكالة "أونروا".
وقالت إلينور همرشولد، ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، في كلمتها: "من الضروري العودة إلى وقف إطلاق النار في غزة، وعلى إسرائيل تسهيل خطط الإغاثة في القطاع".
وأكدت أنه "لا يمكن لإسرائيل ممارسة السيادة على الأراضي الفلسطينية، واحتلالها لها غير قانوني"، مشيرة إلى ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة فورًا
وأوضحت همرشولد أن منع دخول المساعدات الإنسانية منذ 2 مارس الماضي أجج المعاناة الإنسانية في غزة، وأن مؤسسات الأمم المتحدة تعمل على تقديم الحاجات الأساسية الضرورية لبقاء الشعب الفلسطيني على قيد الحياة.
وشدد على أن "تسهيل عمليات الإغاثة، وحماية الطواقم الطبية والإنسانية وموظفي الأمم المتحدة، من التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال"، مؤكدة أنه "من غير المسموح لأي دولة التدخل بعمل المرافق الأممية".
الحرب وتداعياتها
تُتهم إسرائيل باستخدام "تكتيك التجويع" مما يعرض السكان بأكملهم للخطر، وقد يشكل جريمة حرب.
وذكرت وزارة الصحة في غزة أن المستشفيات استقبلت جثامين 51 فلسطينيًا قتلوا في غارات إسرائيلية خلال الـ24 ساعة الماضية، ليصل عدد القتلى الفلسطينيين جراء الحرب إلى 52,243.
وقد أصبح نحو 70% من مساحة غزة الآن مشمولًا بأوامر إخلاء أصدرها الجيش الإسرائيلي أو جزءًا من منطقة عازلة موسعة تسيطر عليها القوات الإسرائيلية، وتم تهجير أكثر من 400,000 شخص منذ انهيار وقف إطلاق النار.
دعوات أممية عاجلة
وفي سياق متصل، بدأت محكمة العدل الدولية جلسات استماع لتحديد ما إذا كان حظر إسرائيل للتعاون مع أنشطة الأونروا في غزة والضفة الغربية المحتلة غير قانوني.
وتدعي إسرائيل أن الأونروا قد اخترقتها حماس، وهو ادعاء تم الطعن فيه بشدة.
يذكر أن جنوب أفريقيا قدمت شكوى إلى محكمة العدل الدولية في ديسمبر 2023 تزعم فيها أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، وهو ما تنفيه إسرائيل.
وأكدت همرشولد في كلمتها أن منع إسرائيل عمل وكالة "أونروا" يخالف المواثيق الأممية، مشيرة إلى أن الوكالة اتخذت إجراءات للتحقيق في ادعاءات عدم حيادها، وأن المراكز الأممية محمية بموجب القانون الدولي.
وقالت: "لا مبرر لانتهاك القوانين الأممية من أطراف الصراع في غزة، ونطالب بعدم تعريض المرافق الأممية في غزة للانتهاك".
ومع تصاعد الأزمة الإنسانية وتفاقم معاناة سكان غزة، تبقى الأنظار متجهة إلى جلسات محكمة العدل الدولية وما يمكن أن تسفر عنه من قرارات قد تسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية المتفاقمة.