في عالم السينما القتالية، لا يمكن ذكر الأبطال دون التوقف عند اسم النجم جيت لي، إذ يعد أحد أبرز الأسماء في عالم فنون القتال، ومن أساطير السينما العالمية التي أثَّرت في العديد من الأجيال من خلال مسيرته اللامعة، التي جمعت بين مهاراته القتالية الفائقة وأدائه التمثيلي المقنع.
الممثل الصيني الذي يحتفل اليوم بعيد ميلاده الــ62، وُلد يوم 26 أبريل 1963 في بكين، وبدأ مسيرته المهنية في عالم "الووشو" (فنون القتال الصينية) وهو في سن مبكرة، ليحقق العديد من البطولات الوطنية.
في عام 1971، دخل جيت لي برنامجًا صيفيًا للرياضة، وتعلم "الووشو"، وفي سن التاسعة، حصل على جائزة في أول منافسة لهذه الرياضة تقام في الصين منذ الثورة الثقافية، وكان يومه مقسمًا بين التدريب الرياضي والدراسة، قبل أن ينتقل إلى التدريب بدوام كامل.
ووسط تألقه الرياضي وفوزه بأول 5 بطولات وطنية للرجال في الووشو، اضطر إلى الاعتزال عام 1979 بعد إصابة في ركبته، ليبدأ بعدها بـ3 سنوات مسيرته السينمائية في فيلم Shaolin Si "معبد شاولين"، إذ جسَّد دور شاب يتعلم فنون القتال من رهبان معبد شاولين الشهير، وحقق الفيلم نجاحًا هائلًا، ما أدى إلى إنتاج جزأين آخرين، واعتُبر سببًا رئيسيًا لإحياء الاهتمام بفنون القتال في الصين.
كل ذلك كان الممثل الصيني معروفًا باسمه الأصلي لي ليانجيه، لكن عندما تم عرض الفيلم في الفلبين، اعتقد الموزعون أن اسمه صعب النطق، وغيروا اسمه إلى جيت لي ليصبح اسمه الفني الشهير.
في عام 1986، أخرج وأدى دور البطولة في فيلم Born to Defense "مولود للدفاع" الذي رغم كونه فشل تجاريًا، إلا أنه كان أول دور تاريخي يجسده جيت لي، إذ لعب دور شخصية تحارب للدفاع عن شرف الصين في فترة الأربعينيات.
ولم يؤثر فشل الفيلم تجاريًا في عزيمته ليعود عام 1991، وبتعاون مع المخرج تسوي هارك في فيلم Once Upon a Time in China "حدث ذات مرة في الصين"، الذي جسَّد فيه شخصية وونج في هونج، بطل فنون القتال الصيني الأسطوري، وشكَّل هذا الفيلم انطلاقته الكبرى في هونج كونج وأدى إلى 3 أجزاء تالية.
هوليوود
ذاع صيت الممثل الشاب لينتقل إلى هوليوود في عام 1998، إذ جسد دور الشرير في فيلم Lethal Weapon 4 "سلاح قاتل 4"، وعلى الرغم من أن جيت لي كان يتحدث الإنجليزية بشكل محدود في ذلك الوقت، إلا أن أداءه دور قاتل من المافيا الصينية "واو سينج كو" لاقى إشادة واسعة ليبدأ مسيرته في السينما الأمريكية، ويتبعه بعدد من الأفلام الناجحة منها Romeo Must Die "روميو يجب أن يموت" وKiss of the Dragon "قبلة التنين، وUnleashed "مطلق العنان"، ليثبت مكانته في السينما العالمية. وفي عام 2002، أدهش الجمهور بأدائه في فيلم Hero "بطل" الذي أخرجه الشهير زانج ييمو.
أدوار رفضها
رفض جيت لي تجسيد عدة أدوار، منها دور تشاو يون فات في فيلم Crouching Tiger, Hidden Dragon "النمر الرابض والتنين الخفي"، لأنه وعد زوجته بعدم المشاركة في أي أفلام خلال حملها، كما رفض أيضًا دور سيراف في ثلاثية The Matrix بناءً على اعتقاده أن الدور لا يتطلب مهاراته وأن الأفلام كانت رائعة بما يكفي دون إضافة اسمه إلى قائمة الممثلين.
وكان أيضًا تم اختياره لتجسيد شخصية "كيتو" في The Green Hornet عندما كان الفيلم في مرحلة التطوير عام 2000، إلا أن الدور تم منحه في النهاية للمغني والممثل جاي تشو في النسخة التي تم إصدارها عام 2011.
في 2001، شارك في فيلمين آخرين هما The One الذي كان أول أفلامه مع جيسون ستاثام، وKiss of the Dragon إلى جانب بريجيت فندا، وحقق كلا الفيلمين أداءً متوسطًا في شباك التذاكر، لكن في العام التالي عُرض له فيلم Hero في السوق الصينية، الذي حقق نجاحًا تجاريًا ونقديًا كبيرًا وأصبح الفيلم الأكثر ربحًا في تاريخ السينما الصينية آنذاك.
واصل جيت لي مسيرته في هوليوود مع أفلام مثل War "الحرب"، والفيلم الملحمي Fearless "لا يعرف الخوف" الذي يعد آخر أفلامه التي تتناول فنون القتال التقليدية. وجسد به دور هو يوانجيا، مؤسس "جمعية تشين وو" الرياضية، والذي هزم الملاكمين الأجانب وفناني القتال اليابانيين في مواجهات علنية.
يعد عام 2008 استثنائيًا في تاريخ جيت لي، إذ اجتمع للمرة الأولى مع جاكي شان في فيلم The Forbidden Kingdom "المملكة المحرمة" الذي يستند إلى الأسطورة الصينية "ملك القرد"، كما ظهر في فيلم The Mummy: Tomb of the Dragon Emperor " المومياء: قبر الإمبراطور التنين" حيث لعب دور الإمبراطور هان، فيما كان آخر ظهور سينمائي له عام 2020، مجسدًا دور إمبراطور الصين في النسخة الحية من فيلم Mulan "مولان".
الحياة الشخصية
تزوج جيت لي في عام 1987 من هوانج تشوييوان، زميلته في فريق ووشو في بكين وزميلته في فيلم "أطفال من شاولين"، ورزقا بابنتين هما سي وتايمي. ثم التقى بالممثلة نينا لي تشي أثناء تصوير فيلم Dragon Fight "مقاتل التنين" في عام 1989 وطلق هوانج في عام 1990، ليتزوج بعدها بـ9سنوات من نينا، ولديهما ابنتان (جين وجادا).
ورغم حصوله على الجنسية الجنسية الأمريكية عام 2007، إلا أنه تخلى عنها بعد ذلك بعامين، وفي عام 2011، أكد جيت لي جنسيته السنغافورية.
وأيضًا لم ينس جذوره الآسيوية، إذ عاد إلى السينما الصينية في أفلام مثل Hero وFearless عام 2006،ـ وهذه الأفلام عززت من مكانته كأيقونة في السينما الصينية وأظهرت قدراته الاستثنائية في فنون القتال.
مع مرور الوقت، قل ظهور جيت لي في السينما، إذ أرجع ذلك في تصريحات له عام 2016، إلى رفضه عروض الأفلام بسبب أعماله الخيرية، خصوصًا بعد معاناته من مرض فرط نشاط الغدة الدرقية الذي تعافى منه.
وبعيدًا عن الشاشة، يعتبر النجم السينمائي من أبرز الشخصيات الخيرية في الصين والعالم، وفي عام 2007 أسس One Foundation وهي أول منظمة خيرية لجمع التبرعات في الصين، كما أسس Taiji Zen، وهي منصة تدمج بين فنون الووشو والطب البديل مثل التأمل والـتاي تشي.
رغم شهرته الواسعة إلا أن جيت لي يعتبر أن ذلك ليس شيئًا يمكنه التحكم فيه، لذا فهو لا يهتم بها، وسبق أن صرح بأنه لم يعتبر نفسه أبدًا أفضل مقاتل في العالم، وأن أكبر سلاح هو الابتسامة وأكبر قوة هي الحب، وأيضًا أن من يتعلم فنون القتال فقط ليتشاجر في الشوارع أو ليعتمد عليها كأداة أساسية في الصراعات أو ليستخدمها للتسلط والترهيب، فهذا الشخص في رأيه لا يمكن أن يعتبر مقاتلًا حقيقيًا.
يعتقد جيت لي أن الرسائل التي أراد أن ينقلها للعالم يمكن العثور عليها في ثلاثة أفلام له، وهي "البطل" الذي يصور أن معاناة شخص واحد لا يمكن أن تكون بمقدار معاناة الأمة، و"مطلق العنان" الذي يؤكد أن العنف ليس حلاً أبدًا، و"لا يشعر بالخوف" الذي يوضح أن أكبر عدو للإنسان هو نفسه.
أصبح جيت لي أيقونة سينمائية بفضل مواهبه الفائقة وأسلوبه الفريد في فنون القتال، ومن خلال مسيرته الطويلة، أثبت أنه ليس فقط نجمًا عالميًا في السينما، بل أيضًا شخصية مؤثرة من خلال أعماله الخيرية وفلسفته في الحياة، ولطالما كان مصدر إلهام للعديد من محبي السينما وفنون القتال حول العالم، وأيضًا صاحب فلسفة خاصة تتضح في تصريحاته التي تشير إلى أن أعظم نصر للإنسان هو على النفس.