في حادثة تاريخية غير مسبوقة، كشفت وثائق الفاتيكان الرسمية أن مراسم جنازة البابا فرنسيس، الذي وافته المنية فجر الاثنين 21 أبريل 2025، ستشهد لأول مرة استخدام اللغة الصينية "الماندرين" ضمن الصلوات الرسمية، في خطوة دبلوماسية تعكس التوجهات السياسية للبابا الراحل تجاه بكين خلال فترة حبريته.
سابقة تاريخية
أظهرت وثيقة نظام الخدمة الدينية التي أصدرها الفاتيكان، والتي تتكون من 87 صفحة، أن أربعة أسطر من "صلاة المؤمنين" ستشكل منعطفًا تاريخيًا في علاقات الكنيسة مع الصين.
وبحسب ما نشرته صحيفة "ذا تليجراف"، سيتم تلاوة هذه الصلوات باللغة الصينية مباشرة بعد العظة، وهي تنص على: "من أجلنا نحن المجتمعين هنا، حتى بعد أن احتفلنا بالأسرار المقدسة، قد ندعى يومًا ما من قبل المسيح لدخول ملكوته المجيد".
تأتي هذه الخطوة في توقيت دبلوماسي حساس، إذ يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -الذي سيحضر الجنازة في ساحة القديس بطرس- صراعه التجاري مع الصين، بينما يسعى الفاتيكان إلى تطوير وتعزيز علاقاته مع بكين.
تعزية تعزز العلاقات الدبلوماسية
في تطور لافت عقب وفاة البابا، أعربت وزارة الخارجية الصينية الثلاثاء الماضي عن تعازيها الرسمية، وصرح المتحدث باسم الوزارة قوو جياكون قائلًا: "في السنوات الأخيرة، حافظت الصين والفاتيكان على اتصال بنّاء وأجريا تبادلات ودية".
وأضاف "قوو"، في تصريح يعكس رغبة بكين في استمرار نهج التقارب: "الصين على استعداد لبذل جهود مشتركة مع الفاتيكان لتعزيز التحسن المستمر للعلاقات بينهما".
هذه التصريحات الرسمية، إلى جانب قرار الفاتيكان بإدراج اللغة الصينية في مراسم الجنازة، تشير إلى أن التقارب الذي سعى إليه البابا الراحل بدأ يؤتي ثماره، حتى بعد رحيله.
تقارب البابا مع الصين
كان البابا فرنسيس، بصفته عضوًا في رهبنة اليسوعيين، مدفوعًا بشكل واضح للسير على خطى المبشرين اليسوعيين الذين سبقوه إلى الصين قبل الحقبة الشيوعية.
وعلى الرغم من الانتقادات الحادة التي واجهها من داخل الكنيسة الكاثوليكية، استمر فرنسيس في مساعيه لتحسين العلاقات مع بكين طوال فترة حبريته التي استمرت 12 عامًا.
وأثارت هذه المساعي جدلًا واسعًا بين الكاثوليك، وجادل منتقدوه بأن مبادراته الدبلوماسية لم تُسفر عن تحسينات ملموسة في أوضاع الكاثوليك والمسيحيين الآخرين الذين يمارسون إيمانهم في الدولة الشيوعية، وأن التنازلات التي قدمها الفاتيكان لم تقابل بمثلها من الجانب الصيني.
مزيج فريد من اللغات
إلى جانب اللغة الصينية التي تمثل العنصر الأبرز في مراسم الجنازة، ستقام الصلوات أيضًا بلغات متعددة تعكس الطابع العالمي لإرث البابا فرنسيس، الذي يعد من أكثر الباباوات سفرًا في التاريخ.
فستشمل المراسم صلوات باللغات الفرنسية والعربية والإسبانية والبولندية والألمانية والإيطالية والإنجليزية، مع بقاء غالبية الطقوس باللغة اللاتينية التقليدية.
كما سيشهد ختام المراسم صلوات باللغة اليونانية من الطقوس الجنائزية البيزنطية للكنائس الكاثوليكية الشرقية، في إشارة إلى اهتمام البابا الراحل بالمؤمنين في مناطق النزاع مثل أوكرانيا وسوريا والعراق وإريتريا.
لمسة خاصة
على الرغم من الإضافة غير المسبوقة للغة الصينية، فإن ترتيب قداس الجنازة سيتبع النمط التقليدي المألوف للكاثوليك حول العالم، إذ سيبدأ بتجمع المصلين، ودعوتهم لله لمغفرة الخطايا، وقراءات من الكتاب المقدس، وعظة، وصلوات المؤمنين، وتكريس الخبز والنبيذ، وصلاة الرب، وعلامة السلام، والمناولة المقدسة، ثم الختام.
وبحسب "ذا تليجراف"، فإن القراءات المختارة للجنازة هي نفسها التي تليت في جنازة البابا يوحنا بولس الثاني عام 2005، مع التركيز على موضوع القيامة الذي يبرز بشكل خاص نظرًا لإقامة الجنازة خلال فترة عيد الفصح.
رسالة من الوداع الأخير
تعكس إضافة اللغة الصينية إلى مراسم الجنازة البابوية استراتيجية الفاتيكان المستمرة لفتح قنوات اتصال مع بكين، على الرغم من التحديات والتوترات القائمة.
وتمثل هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية رسالة واضحة بأن إرث البابا فرنسيس في التقارب مع الصين سيستمر حتى بعد رحيله.
وبعد انتهاء القداس وتلاوة ليتانيا القديسين والطقوس الجنائزية البيزنطية، سيتم رش النعش بالماء المقدس وتبخيره، قبل أن يتم نقله من كاتدرائية القديس بطرس عبر روما إلى مقبرته الأخيرة في كنيسة سانتا ماريا ماجيوري.