على الرغم من الاضطرابات التي تشهدها فرنسا منذ أشهر؛ بسبب تردي الوضع الاقتصادي، والمُطالبات شعبية والأضرابات لرفع الحد الأدنى للأجور في مُختلف قطاعات الأشغال الفرنسية، إلا أن الرئيس إيمانويل ماكرون أعلن أمس الجمعة، عن رفع حد الإنفاق للقوات المسلحة الفرنسية ليصل إلى 413 مليار يورو خلال الفترة القادمة، وذلك في إطار قانون البرمجة العسكرية الذي ينتظر تصويت البرلمان عليه.
وعد الرئيس الفرنسي القوات الفرنسية بزيادة ميزانيتها لسبع سنوات بنسبة الثُلث إلى 400 مليار يورو، في إطار قانون البرمجة العسكرية المقبل، وذلك على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا وبدعوة لتكثيف الجهود الفرنسية؛ لحماية البلاد من أي مخاطر مُمكنة.
أعلن ماكرون، خلال لقائه بأفراد القوات المسلحة الفرنسية بقاعدة مون دو مارسان الجوية، في إقليم ليلاند جنوب غرب البلاد، أن ميزانية الجيوش الفرنسية ستشهد خلال 2024 و2030 زيادة تتجاوز الثُلث، مع الأخذ بإيرادات من خارج الميزانية، وأوضح الرئيس الفرنسي أن "قانون البرمجة العسكرية يعبر عن جهود البلد من أجل جيوشه" و"هذه الجهود ستكون مُتناسبة مع المخاطر، أي أنها ستكون كبيرة"، وأضاف ماكرون أن فرنسا ستعزز قدراتها في مجال الدفاع الجوي بنسبة 50 %.
الاستعداد للمخاطر
من المتوقع أن يتم رفع الميزانية المُخصصة للاستخبارات العسكرية بالبلاد بنسبة 60%، ويُعزي ماكرون السبب في زيادة ميزانية هيئة الاستخبارات إلى تعزيز قدراتها على استباق الصراعات العسكرية.
وبعد الإعلان عن ملامح برنامج رفع ميزانية القوات الفرنسية، من المُرتقب أن يعرض قانون التسليح بميزانيته الجديدة على البرلمان الفرنسي في مارس المقبل للتصويت عليه.
أعلن الرئيس في كلمة ألقاها أمام حضور من كبار الضباط "يجب أن نكون متقدمين" حتى "نكون مهيئين لنزاعات أكثر ضراوة وأكبر عددًا وأكثر إشكالية في آن واحد".
كان القانون الجديد موضع ترقب كبير في باريس، بعدما كشفت الحرب في أوكرانيا عن ثغرات في الجهاز العسكري الفرنسي، وسيُشكل استمرارًا للمجهود المالي الضخم في الدفاع بعد قانون البرمجة العسكرية لفترة 2019-2025 الذي بلغ 295 مليار يورو، مع وضع حد لسنوات من الاقتطاع في ميزانية القوات المسلحة.
كما أعلنت فرنسا أنها ستواصل جهودها لتحديث قوة الردع النووي التي خصصت لها اعتمادات دفع بقيمة 5.6 مليار يورو لعام 2023. كذلك القدرات السيبرانية التي تم تعزيزها بشكل ملحوظ جدًا خلال الفترة الماضية، ومن المتوقع أن تتجه القوات المسلحة الفرنسية لمزيد من الجهود لتعزيز هذه القدرات لمنح فرنسا قوة من الطراز الأول في هذا المجال.
وحسب بيان الإليزيه، فإن الحرب الروسية- الأوكرانية عملت على زيادة مجهودات الدول الأوروبية وسعيها لتطوير قدراتها العسكرية، وأوضح البيان، أنه ينبغي في الوقت الراهن تغيير السياسة العسكرية المعتمدة فقط على صيانة الجيوش، إلى العمل لتطوير القوات العسكرية لتكون أكثر كفاءة وعملية.
بحسب البيان الصادر عن الرئاسة الفرنسية، دفعت الحرب الدائرة في أوكرانيا الأوروبيين الأكثر تحفظًا، إلى تخصيص المزيد من الأموال لدعم سياستهم الدفاعية.
اقتصاد الحرب
من ناحية أخرى، حذر قصر الإليزيه بأنه من غير الوارد نسخ الحاجات الفرنسية على صعيد القدرات عن حاجات أوكرانيا، وأوضح بهذا الصدد "فرنسا ليست أوكرانيا، ليس لديها المصالح الأمنية ذاتها ولا حدود مع روسيا، نملك السلاح النووي وننتمي إلى الاتحاد الأوروبي وإلى حلف شمال الأطلسي"، وفق ما نقلته وكالة "فرانس برس".
في المقابل أوضح الإليزيه، أن فرنسا قادرة على التحرك في إطار أوروبي سواءً بمُشاركة الحلف الأطلسي (الناتو) أو بدونها، ما يفترض القدرة على نشر قوة عسكرية من 20 ألف عنصر.
كذلك يتحتم سد الثغرات على صعيد المسيرات و"الذخائر المتسكعة" مثل الطائرات بدون طيار المفخخة، والاستثمار في المجال الكمي والذكاء الاصطناعي.
وعملًا بهدف ماكرون القاضي بتطوير "اقتصاد حرب"، ينص قانون البرمجة العسكرية على هدف يقضي بإقامة "دورات إنتاج مثلى لتلبية حاجات القوات المسلحة"، سواءً على صعيد الذخائر أو "للاستجابة سريعًا لتطلعات شريك" مثل أوكرانيا، على ما أوضحت الرئاسة.
وحرصًا منه على تعزيز "القوة المعنوية" للبلاد، يعتزم ماكرون أخيرًا مضاعفة عدد جنود الاحتياط البالغ حاليًا 40 ألف جندي.
ليس فرنسا وحدها
يُذكر أن ألمانيا قد عملت أيضًا على رفع ميزانية القوات المسلحة، إذ أنفقت برلين، أكثر من 100 مليار يورو لدعم منظومتها العسكرية خلال العام الماضي.
تعمل العديد من الدول الأوروبية منذ بدأ الحرب الروسية الأوكرانية، فبراير الماضي، على تعزيز برامج التسليح وتعزيز قدراتها العسكرية، رُغم ما تشهده القارة العجوز من أزمات اقتصادية مُتوالية.
لكن بالإضافة إلى تداعيات الأزمة الأوكرانية، تُواجه فرنسا تحديدًا العديد من التحديات على المستوى الأمني والعسكري، بالإضافة إلى توتر الوضع الأمني الداخلي، بعد ما تعرضت البلاد لعدد من الهجمات الإرهابية التي استهدفت المدنيين ورجال الشرطة المُتوالية خلال الأعوام الماضية، خاصة أن فرنسا تعاني أمنيًا بسبب نقص أفراد الجيش والشرطة في عدة مناطق، منها مارسيليا على سبيل المثال.
تعتبر هذه الهجمات عاملًا محوريًا دفع الحكومة إلى إعادة النظر بقدرات الجيش، ومنحه زيادة في الميزانية المالية المُخصصة له، لتزيد من 259 مليار يورو إلى 400 مليار.