في ظل التحولات الاقتصادية والسياسية المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، تبرز دولة الكويت كلاعب اقتصادي رئيسي يعتمد سياسة استثمارية تعزز من حضورها الإقليمي، من خلال صندوقها السيادي، أحد أقدم وأكبر الصناديق بالعالم.
وتركز الكويت استثماراتها على قطاعات حيوية تشمل الطاقة، البنية التحتية، التمويل، والعقارات، وبلغت قيمة الاستثمارات الكويتية في دولة الإمارات وحدها أكثر من 50 مليار دولار، تليها الأردن باستثمارات تفوق 20 مليار دولار، فيما تخطط لزيادة استثماراتها في مصر، التي بلغت 20 مليار دولار.
وتتنوع استثمارات الكويت في دول مثل السعودية، العراق، تركيا، وقطر، لتشمل مشروعات في مجالات الطاقة المتجددة، إعادة الإعمار، والخدمات المالية.
القاهرة.. بوابة استثمارية واعدة
تُعد مصر من أبرز الوجهات الاستثمارية للكويت في الشرق الأوسط، نظرًا لما تمثله من ثقل سكاني واستراتيجي، فضلًا عن مساعي الحكومة المصرية لتهيئة بيئة جاذبة للمستثمرين، وتخطط الكويت لزيادة استثماراتها في مصر التي تظل وجهة استثمارية جذابة بفضل سوقها الواسع، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، واتفاقياتها التجارية المتعددة، ما يجعلها أولوية للكويت ضمن استراتيجيتها الاقتصادية في الشرق الأوسط.
وفي السياق نفسه، وجّه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الدعوة للمستثمرين الكويتيين لاستكشاف الفرص المتاحة، والاستفادة من الحوافز والتسهيلات التي تقدمها الدولة المصرية، وكذا تطوير التعاون الصناعي، من خلال العمل على إقامة شراكات صناعية بين الشركات المصرية والكويتية، والتركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.
وأوضح بيان للرئاسة المصرية، أن هذه الدعوة أتت في أثناء استقبال الرئيس المصري وفدًا استثماريًا كويتيًا برئاسة محمد جاسم الصقر، رئيس الجانب الكويتي في مجلس التعاون المصري الكويتي، بحضور الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وناقش خلال اللقاء الفرص المتاحة في عدد من القطاعات الواعدة للتعاون الاستثماري، إذ أثنى الوفد الكويتي من جانبه على التطور الكبير الذي شهدته مصر في مجالات البنية التحتية وتعزيز المناخ الجاذب للاستثمار، مؤكدين حرصهم على تعزيز الشراكة مع مصر من خلال تطوير تواجدهم الاستثماري في الاقتصاد المصري، بما يحقق تطلعات الشعبين الشقيقين في التعاون والازدهار.
وأكد الوفد الكويتي الشراكة الاستراتيجية القائمة بين مصر والكويت، موضحين أن حجم الاستثمارات الكويتية في مصر قد تجاوز العشرين مليار دولار موزعة على مختلف القطاعات والأنشطة وعلى أكثر من ألف شركة كويتية تعمل في مصر، وأن أكثر من 25% من مشروعات الصندوق الكويتي للتنمية موجودة في مصر، معبرين عن التطلع إلى تكثيف وتعميق الاستثمارات الكويتية في مصر، ولأن يكون للكويت دور فاعل في "المنتدى الاستثماري المصري الخليجي"، الذي ستستضيفه القاهرة هذا العام، خاصة مع النهضة التنموية غير المسبوقة التي تشهدها مصر.
رؤية متكاملة
إن الموقع الجغرافي الاستثنائي لمصر كبوابة بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، إلى جانب حجم سوقها المحلي الضخم الذي يتجاوز 100 مليون نسمة، يجعلها أرضًا خصبة للفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات. كما أن جهود الحكومة المصرية للإصلاح الاقتصادي وتحسين بيئة الأعمال تشكل عناصر جذب أساسية للمستثمر الكويتي الباحث عن فرص طويلة الأمد وعوائد مستدامة.
ومن هذا المنطلق، لا تبدو استثمارات الكويت في مصر مجرد خيار اقتصادي، بل رؤية استراتيجية تعكس إيمانًا بمستقبل مشرق لهذا البلد ودورًا محوريًا له في خريطة التنمية الإقليمية. ومع استمرار التعاون بين البلدين، يبدو الأفق مفتوحًا أمام شراكات نوعية تعزز الاستقرار والنمو في المنطقة ككل.
تمثل الاستثمارات الكويتية في مصر جزءًا من رؤية أوسع لبناء اقتصادات مترابطة ومزدهرة في الشرق الأوسط. وبينما تستمر مصر في جذب رؤوس الأموال وتنفيذ مشروعات قومية كبرى، تظل الكويت شريكًا استراتيجيًا يسعى لتحقيق مصالح مشتركة، مبنية على الثقة والتكامل.
10% ارتفاعًا في عوائد الاستثمارات الكويتية
كانت الهيئة العامة للاستثمار في الكويت، التي تدير أكثر من 800 مليار دولار من الأموال، وبحسب وكالة "بلومبرج" حققت ارتفاعًا في العوائد السنوية للصندوق السيادي الكويتي بأكثر من 10%، وأسهم ارتفاع مؤشرات سوق الأسهم الأمريكية في تعزيز عائدات هيئة الاستثمار الكويتية، العام الماضي.
وكشفت بيانات نشرتها صحيفة "الأنباء" الكويتية، أن دخل استثمارات الكويت، خلال فترة الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، شهدت نموًا بنسبة 2.6% لتسجل 7.8 مليارات دينار، مقارنة بـ7.5 مليارات دينار، خلال الفترة المقارنة من 2023.
وأظهرت البيانات التي استندت إلى أرقام من بنك الكويت المركزي، أن دخل استثمارات الكويت هو الإيرادات التي تحققها الدولة من أصولها واستثماراتها الخارجية في مختلف المجالات، ويشمل ذلك العوائد المالية الناتجة عن الاستثمار في الأسهم، السندات، العقارات، الشركات الأجنبية، والأصول الأخرى التي تدار من قبل جهات حكومية مثل الهيئة العامة للاستثمار، التي تدير صندوق الأجيال القادمة وصندوق الاحتياطي العام.
وقالت البيانات إن دخل استثمارات الكويت بلغ 2.2 مليار دينار في الربع الأول من 2024، ليصعد إلى مستوى 2.74 مليار دينار في الربع الثاني من 2024، ثم إلى مستوى 2.8 مليار دينار في الربع الثالث من العام، مع توقعات بأن يحافظ على ذلك المستوى في الربع الرابع والأخير من العام الماضي.
وترجع القفزة التي حققتها الكويت من عوائد استثمارات المحفظة المالية، إلى العوائد المرتفعة التي لم تشهدها الأسواق منذ عقود في صناديق السندات العالمية، خلال العام الماضي، التي استفادت بشكل كبير من حالة من عدم اليقين التي تسيطر على التوقعات خلال عام 2025، فيما استفادت كذلك من الصعود القياسي للأسواق الأمريكية في 2024، مدفوعة بطفرة الابتكارات التكنولوجية وزخم الذكاء الاصطناعي، وهذه الطفرة لم تكن مجرد دفعة قصيرة الأمد، بل أعادت صياغة معادلة النمو وفتحت آفاقًا جديدة للاستثمار تركت آثارها على توقعات الأداء في العام الجديد 2025، ما عزز ثقة المستثمرين على الرغم من التحديات التي طالت قطاعات أخرى.