الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

يضيق على المسيحيين.. الاحتلال يفسد احتفالات "عيد الفصح" في القدس

  • مشاركة :
post-title
كنيسة القيامة».. الطريق مسدود أمام المدينة المقدسة

القاهرة الإخبارية - محمود غراب

كما هو معتاد كل عام، أفسدت قوات الاحتلال الإسرائيلي على المسيحيين الفلسطينيين إحياء طقوس عيد الفصح بكنيسة القيامة في البلدة القديمة بالقدس الشرقية المحتلة.

على مدى أجيال، كان عشرات الآلاف من المسيحيين الفلسطينيين الذين يعيشون في قرى ومدن الضفة الغربية المحتلة مثل رام الله وبيت لحم والطيبة، يسافرون إلى البلدة القديمة في القدس الشرقية المحتلة، في عيد الفصح للمشاركة في الصلوات والمواكب والطقوس مثل مراسم النور المقدس.

لكن قرونا من التقاليد تمزقت بسبب سيطرة إسرائيل المتزايدة القسوة على حركة الفلسطينيين، وهو ما يعني أن أي فلسطيني في الضفة الغربية يعيش خارج القدس المحتلة، يجب أن يحصل على تصريح عسكري إذا كان يريد دخول المدينة.

وعلى مدى سنوات، كان المسيحيون في الأراضي الفلسطينية يحصلون بانتظام على تصاريح لزيارة القدس في فترة عيد الفصح، ولكن منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023، أصبح الحصول على هذه التصاريح شبه مستحيل.

في عيد الفصح العام الجاري، أعلنت حكومة الاحتلال أنها أصدرت 6000 تصريح، رغم وجود 50 ألف مسيحي، معظمهم من الكاثوليك أو الروم الأرثوذكس، يعيشون في الضفة الغربية خارج القدس الشرقية المحتلة. إلا أنه في الواقع، لم يُمنح سوى 4000 تصريح، وفقا لقادة مسيحيين، وغالبا ما كان ذلك لعدد قليل من أفراد كل عائلة تقدمت بطلبات.

وتستمر صلاحية هذه التصاريح لمدة أسبوع واحد فقط، ولا تسمح للحجاج الفلسطينيين بالبقاء في القدس المحتلة طوال الليل، مما يعني أن عليهم القيام برحلة شاقة إلى الضفة الغربية بالحافلة أو سيارة أجرة، عبور عدد كبير من نقاط التفتيش العسكرية، كل مساء، مما يحد من الاحتفالات التي يمكنهم المشاركة فيها.

وقالت مجموعة من سكان قرية الطيبة لصحيفة" الجارديان" البريطانية، إن الجيش الإسرائيلي ما زال لا يسمح لهم بالعبور إلى القدس المحتلة، على الرغم من حصولهم على تصاريح سارية المفعول.

في السنوات الأخيرة، واجه القلائل الذين نجحوا في الوصول إلى البلدة القديمة وحشية متزايدة من قوات الاحتلال. في أبريل 2023، تعرض مصلون مسيحيون فلسطينيون وحجاج دوليون للضرب على القوات الإسرائيلية أثناء محاولتهم الوصول إلى كنيسة القيامة.

وقال عمر حرامي، مدير مركز السبيل المسيحية ومقرها القدس، للجارديان إن "الناس خائفون للغاية، ولن يخاطر الكثيرون بحضور مواكب عيد الفصح بعد الآن". وأضاف إن العديد من الموظفين تعرضوا للضرب العام الماضي، أثناء محاولتهم حضور احتفالات عيد الفصح في البلدة القديمة، كما واجه المسيحيون في البلدة القديمة العداء بانتظام خارج الكنائس أو أثناء ممارستهم حياتهم اليومية.

وأحد أكبر مصادر الضيق بين المجتمع المسيحي هو فرض الحواجز والشرطة العدوانية التي منعت الآلاف من المسيحيين من المشاركة في احتفالات "النور المقدس" التي تشير إلى القيامة في يوم سبت الفصح بعد الظهر، كما فعلوا منذ مئات السنين في المدينة القديمة.

ورغم تبرير هذه القيود باسم السلامة، فإن العديد من المسيحيين ينظرون إليها باعتبارها وسيلة أخرى تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي لممارسة الهيمنة على المجتمع.

قال حرامي: "سأذهب إلى احتفالات سبت النور لأن عائلتي كانت جزءا من هذا التقليد لآلاف السنين، لكنني لن أحضر أطفالي، فالأمر خطير للغاية الآن، مع عنف الشرطة".

يخيم شبح غزة أيضا على احتفالات عيد الفصح هذا العام. استشهد مسيحيون فلسطينيون من بين 51 ألف شخص في غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية، وفي أحد الشعانين، أصاب صاروخ إسرائيلي المستشفى الوحيد الذي يديره مسيحيون في القطاع. ويلجأ حوالي 500 مسيحي إلى كنيسة العائلة المقدسة، وهي واحدة من كنيستين فقط لا تزالان قائمتين. وقال من تواصلت معهم "الجارديان" إنهم يخشون التحدث، خوفا من أي شيء قد يجعلهم هدفا للغارات الجوية الإسرائيلية.

رغم أهميتها التوراتية وكثرة الكنائس والأديرة فيها، أصبحت البلدة القديمة في القدس الشرقية المحتلة، خطرًا متزايدًا على جميع المسيحيين، وليس فقط على ذوي الأصول العربية. منذ صعود القومية اليهودية المتطرفة في إسرائيل، وانتخاب أكثر الحكومات يمينية متطرفة في تاريخ البلاد، ازدادت جرأة الحركات اليهودية المتطرفة والمستوطنة، التي تسعى إلى السيطرة على جميع الأراضي الفلسطينية، في أفعالها ضد المسيحيين والمسلمين على حد سواء.

تاريخيا، اتسمت العلاقة بين المسيحيين واليهود بالتوتر، ولكن التعصب الديني والمشاعر المعادية للمسيحية أصبحت سائدة بين القيادة السياسية الإسرائيلية، فقد وصف وزير الأمن القومي المتشدد إيتمار بن جفير البصق الإسرائيلي على المسيحيين بأنه "تقليد يهودي قديم".

وتزايدت أيضًا حوادث محاولات جماعات المستوطنين الاستيلاء على أراضي المسيحيين في القدس المحتلة. في عام 2023، اتهم بطريرك الأراضي المقدسة للروم الكاثوليك، بييرباتيستا بيتسابالا، حكومةَ الاحتلال بتهيئة "جو ثقافي وسياسي يبرر أو يتسامح مع الأعمال ضد المسيحيين".

ووثق تقرير صدر مؤخرا عن مركز "روسينج" للتعليم والحوار، الارتفاع الحاد في نطاق وخطورة الهجمات على المسيحيين في القدس المحتلة وفي جميع أنحاء إسرائيل في عام 2024، بدءا من البصق على الكهنة، وخطاب الكراهية العلني، إلى تدنيس القبور وهجمات الحرق العمد وتخريب الكنائس.

وقال جون مناير، مدير المشاركة الدولية في مركز روسينج: "عادة ما يكون الشباب اليهود الإسرائيليون هم من ينفذون هذه الهجمات دون عقاب. فهم لا يواجهون سوى عقاب ضئيل، هذا إن تدخلت الشرطة أصلا".

وأضاف مناير، قائلا: "إنها محاولة واضحة من جانب المستوطنين الصهاينة المتشددين لتهويد البلدة القديمة في القدس المحتلة، ومحاولة جعلها لا تطاق بالنسبة للمسيحيين الذين كانوا هناك منذ قرون".

وقال الأب نيكون جولوفكو، نائب رئيس البعثة الكنسية الروسية في القدس، أثناء حضوره مراسم صلاة عيد الفصح يوم الخميس، إنه "شهد بالفعل تغيرا نحو الأسوأ بالنسبة للمسيحيين في السنوات التسع الماضية".

أضاف: "نتعرض لعداء وعدوان متزايدين من اليهود. يبصقون على الكهنة، حتى أثناء سيرنا في الحي المسيحي. هذا يوحي بأن المدينة ليست ملكًا لجميع الطوائف، بل لليهود فقط. لم يكن الأمر كذلك من قبل".

وبعد حادثة تم فيها تصوير يهود أرثوذكس وهم يبصقون على المسيحيين بالفيديو، قال مكتب بنيامين نتنياهو إن إسرائيل "ملتزمة تماما بحماية الحق المقدس في العبادة والحج إلى الأماكن المقدسة لجميع الأديان".

وقال كزافييه أبو عيد، وهو محلل سياسي فلسطيني مسيحي ومؤلف كتاب "متجذرون في فلسطين: المسيحيون الفلسطينيون والنضال من أجل التحرر الوطني 1917-2004"، إنه رغم المضايقات المتزايدة التي يواجهونها، والأعداد المتناقصة للمسيحيين المتبقين في الضفة الغربية المحتلة، وأهوال الحرب المستمرة في غزة، فإنه لا يزال ينظر إلى عيد الفصح باعتباره وقتا للأمل و"الرسالة في الوقت المناسب بأن الحياة تهزم الموت".

أضاف: "باعتبارنا مسيحيين فلسطينيين، فإننا نعلم أن هذا الجيل إما أن ينجح أو يفشل. رسالتنا للاحتلال الإسرائيلي أننا باقون، وسنحتفل بالمناسبات الدينية نفسها التي نحتفل بها منذ قرون، هو واجب وطني ورسالة دينية علينا. الحفاظ على تقاليدنا المسيحية والصلاة أصبحا فعلا مقاومة".