كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن الدافع وراء المطالبة المتزايدة من قبل جيش الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية والأمنية بإنهاء الحرب على غزة، هو التعاطف مع عائلات المحتجزين في القطاع الفلسطيني، والكراهية للائتلاف اليميني المتطرف الحاكم برئاسة بنيامين نتنياهو.
وذكرت الصحيفة في مستهل تقرير لها نشر على موقعها الإلكتروني، اليوم الثلاثاء، أن حركة الاحتجاج ضد حكومة بنيامين نتنياهو، والتي هدأت بعد هجوم حماس على المستوطنات بغلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، تتصاعد مرة أخرى، وتنتشر إلى أجزاء متزايدة من الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات.
وقالت الصحيفة إن هذه الحركة الاحتجاجية الجديدة أطلقها طيارو وملاحو سلاح الجو الإسرائيلي وطواقمه الأرضية. وكان أفراد سلاح الجو أيضًا رأس حربة الموجة السابقة من الاحتجاجات، التي بدأت بعد انتخاب نتنياهو رئيسًا للوزراء للمرة السادسة عام 2023، وبدء برنامجه لتقويض استقلال القضاء في إسرائيل.
هذه المرة، انضم إليهم المزيد من منظمات قدامى المحاربين في الجيش الإسرائيلي من البحرية، وقوات المظلات، وجنود سابقين في وحدات الاستطلاع، وعناصر من القوات الخاصة. والآن، ينضم قدامى المحاربين من جهازي الاستخبارات الإسرائيليين إلى الاحتجاجات.
وقّع مئات من قدامى محاربي "الموساد" عريضة تطالب بالعودة الفورية للمحتجزين التسعة والخمسين، حتى لو كان الثمن وقف الحرب في غزة. بل إن بعض هؤلاء المحاربين القدامى تم استدعاؤهم مؤخرًا للخدمة الفعلية، وشارك كثيرون منهم في مهام سرية لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلية.
وقّع العريضة 3 رؤساء سابقين للموساد، وهم داني ياتوم، وإفرايم هاليفي، وتامير باردو. ولم ينضم إلى الموقعين يوسي كوهين، رئيس سابق آخر للموساد، ذو التوجه اليميني، وكان يُعتبر في السابق مقربًا من نتنياهو، ويُعتقد أن لديه طموحات سياسية لخلافته.
مقدّمو العريضة هم ديفيد ميدان، الذي كان يرأس قسم "تسوميت" (قسم الموساد المسؤول عن تجنيد العملاء وتشغيلهم)، وجيل شوريش، التي عملت تحت قيادته لفترة قصيرة ثم انتقلت إلى "تيفيل" - قسم الموساد للعلاقات الخارجية السرية، حيث تقاعدت برتبة رئيسة قسم.
وأكدوا في رسالتهم على أنه "يجب السعي إلى التوصل إلى أي اتفاق يمكن أن ينهي معاناة المحتجزين – حتى لو أدى ذلك إلى وقف القتال".
وسرعان ما تبعهم متقاعدون من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت)، ونشروا على موقع "فيسبوك" بروح مماثلة: "إن إعادة جميع المحتجزين إلى ديارهم هي وصية أخلاقية عليا، حتى لو كان الثمن إنهاء القتال مؤقتًا".
وتشير "هآرتس" إلى أنه رغم أن حركتي الاحتجاج قبل 7 أكتوبر وبعده كانتا موجهتين ضد حكومة نتنياهو، إلا أن هناك فرقًا. فخلال الاحتجاجات السابقة، أعلن الطيارون، ثم جنود الاحتياط من جميع الرتب والوحدات في الجيش الإسرائيلي، أنهم سيرفضون الخدمة في جيش يطيع حكومة تعمل على تقويض وتفكيك أسس الديمقراطية الإسرائيلية.
لكن الجدير بالذكر أن معظمهم، وخاصة في القوات الجوية، كانوا من جنود الاحتياط الذين يخدمون تطوعًا، ومن الناحية القانونية، لا يمكن تصنيف موقفهم على أنه "مخالفة للأوامر" أو "التهرب من الخدمة العسكرية".
وقد أجبر موقفهم، الذي دعمه وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك يوآف جالانت، إلى جانب الاحتجاجات العامة التي نظمها مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين غمروا الشوارع في جميع أنحاء البلاد، حكومة نتنياهو على التراجع وتعليق خططها لتحويل إسرائيل إلى شبه ديكتاتورية.
لكن بعد ذلك، هاجمت حماس المستوطنات في غلاف غزة، وكان جنود الاحتياط أنفسهم، بدافع وطنيتهم العميقة، الذين تظاهروا في الشوارع، أول من استجاب للنداء وعادوا إلى الخدمة الفعلية.
ولكن بعد عام ونصف من الحرب، ومع تزايد وضوح أن نتنياهو، الذي شجّعه دعم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم يكن راغبًا في التوصل إلى تسوية معقولة لتأمين إطلاق سراح المحتجزين المتبقين، بدأ شعور متجدد بالاشمئزاز والإرهاق منه ومن حكومته اليمينية المتطرفة ينمو مرة أخرى داخل الجمهور الليبرالي في إسرائيل.
وقال أحد كبار عملاء الموساد الذين وقّعوا على العريضة إن "نتنياهو مهتم بإطالة أمد الحرب، لخلق حالة من الطوارئ لتعزيز سلطته. هذا هو هدفه الحقيقي، وليس المخاوف الأمنية".
وصرّح الموقعون على الالتماسات من قبل قدامى المحاربين في الجيش الإسرائيلي والموساد والشين بيت بوضوح، أنه على النقيض مما كان عليه الحال قبل 7 أكتوبر، فإنهم لم يُبدوا أي تحفظات بشأن الخدمة أو الاستدعاء للخدمة الاحتياطية، بل كانوا يُظهرون بشكل واضح، حقهم كمواطنين في التعبير عن آرائهم.