الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"البريكست الأمريكي".. مغامرة ترامب الجمركية من حلم إلى واقع مخيف

  • مشاركة :
post-title
منذ عقود يدعو ترامب إلى استراتيجية رفع الرسوم الجمركية على الواردات

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

بينما أثارت قرارات رفع التعريفات الجمركية التي وصفها الرئيس دونالد ترامب بـ"يوم التحرير" قلق الناس والحكومات والمستثمرين حول العالم، كان الرئيس الأمريكي يقول إنه لا ينبغي لأحد أن يُفاجأ، إذ كان قد دأب على الدعوة إلى إعادة فرض الرسوم الجمركية على نطاق واسع و"بثبات كبير" لعقود.

وقال ترامب في حديقة الورود بالبيت الأبيض: "أتحدث عن هذا منذ 40 عامًا".

ويشير تحليل لصحيفة "ذا جارديان" البريطانية إلى أن الإعلان عن فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% إلى 50% على شركاء الولايات المتحدة التجاريين أدى إلى انخفاض أسواق الأسهم، بعد أن كشف ترامب عن "إعلان الاستقلال الاقتصادي" الجذري الذي قورن باتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست".

ووفق التحليل، يعتقد العديد من رجال الأعمال والاقتصاديين والسياسيين أن خطة ترامب التجارية خاطئة ومعيبة ومحفوفة بالمخاطر "حتى إن البعض لمّح بسخرية إلى أنها ربما تكون من تأليف ChatGPT"، وهي أداء الذكاء الاصطناعي الأمريكية الشهيرة.

حلم قديم

في عام 1987، عندما نشر قطب العقارات المتعطش للشهرة دونالد ترامب إعلاناتٍ على صفحات الصحف، كان يدعو إلى مثل هذه الاستراتيجية، وجادل سابقًا بأن الاقتصادات الكبرى الأخرى هي "أعظم آلات الربح على الإطلاق"، وقال وقتها: "افرضوا الضرائب على هذه الدول الغنية، وليس على أمريكا".

وبعد ثماني سنوات من بدء ولايته الأولى وعشرة أسابيع فقط من ولايته الثانية، بدأ رجل العقارات، الذي صار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أخيرًا في العمل بجدية على تحقيق هذا الحلم، وتجاهل التحذيرات من أنه قد يتحول إلى كابوس.

ولفت التحليل إلى أن ترامب لم يخف رؤيته في حملته الانتخابية العام الماضي: "وعد بأن الرسوم الجمركية سوف تعمل على تحرير الاقتصاد الأمريكي، وتنشيط معاقله الصناعية، وإطلاق العنان لفرص مالية هائلة للحكومة الفيدرالية. لكن بعد طرح هذه الخطة الكبيرة والجميلة والجريئة لإعادة بناء النظام الاقتصادي العالمي، كانت الإجراءات المبكرة لإدارة ترامب الثانية أصغر حجمًا وأكثر فوضوية وترددًا بشكل لافت للنظر".

في البداية، ضاق نطاق التركيز بشكل كبير ليشمل بضع دول فقط، هي الصين وكندا والمكسيك. وبينما تضررت الصين بشدة، تعطلت الرسوم الجمركية الشاملة المفروضة على كندا والمكسيك بسبب سلسلة من المواعيد النهائية والتأخيرات والإعفاءات.

تزييف التاريخ

يلفت التحليل البريطاني إلى أن الرسوم الجمركية الأمريكية رُفِعَت على الفولاذ والألمنيوم، لكن "أجندة ترامب التجارية اتسمت إلى حد كبير بالتهديدات والمشاحنات".

يضيف: "في يوم الأربعاء، الذي أطلق عليه ترامب ومساعدوه اسم "يوم التحرير"، بذل ترامب قصارى جهده لوضع حد حاد لأسابيع من التردد والشك والارتباك، وفرض الرسوم الجمركية الشاملة و"المتبادلة" التي تعهد بتطبيقها مرات عديدة أثناء القتال لاستعادة البيت الأبيض".

واستطرد بسخرية أنه في لحظة ما من خطابه، تحوّل ترامب من رئيس إلى مؤرخ.

قال: "في عام 1913، ولأسبابٍ مجهولةٍ للبشرية، أُنشئت ضريبة الدخل"، مُمهّدًا الطريق لخفضٍ حادٍّ في الرسوم الجمركية على السلع الأجنبية.

وأضاف: "سيبدأ المواطنون، وليس الدول الأجنبية، بدفع الأموال اللازمة لإدارة حكومتنا"؛ مؤكدًا أمام مساعديه ووزراء حكومته ومؤيديه، أن عقودًا من الازدهار الأمريكي "انتهت فجأةً" مع الكساد الكبير عام 1929.

وزعم الرئيس الأمريكي أنه "ما كان ذلك ليحدث لو استمروا في سياسة التعريفات الجمركية. لكانت القصة مختلفة تمامًا".

في الواقع، اعترض مؤرخون حقيقيون على هذه الرواية، إذ نقلت "ذا جارديان" عن أندرو كوهين، أستاذ التاريخ في كلية ماكسويل بجامعة سيراكيوز، قوله: "إنها ما نسميه كذبة. كذبة. ليست صحيحة".

وأضاف: "إنه مخطئ. لا أحد يعتقد ذلك. حتى الاقتصاديون المحافظون أو المؤيدون للتقشف لا يعتقدون ذلك".

من يدفع؟

رغم وعد الرئيس الأمريكي بعصر ذهبي يحصد ملايين الوظائف الجديدة، وصادرات أمريكية إضافية بمليارات الدولارات، وتريليونات الدولارات من عائدات الرسوم الجمركية، لكن خارج إدارته، تسود شكوك كبيرة.

قال إسوار براساد، أستاذ سياسات التجارة بجامعة كورنيل، والمسؤول السابق في صندوق النقد الدولي: "تُمثل رسوم ترامب الجمركية تحررًا للشركات والمستهلكين الأمريكيين من فوائد التجارة الحرة".

وأضاف: "لقد لجأ ترامب إلى سياسة تجارية عدائية مع كل شريك تجاري رئيسي للولايات المتحدة تقريبًا، ولم يستثنِ سوى القليل من الحلفاء أو المنافسين، في إجراء سيُلحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد الأمريكي، وسيشعر المستهلكون والشركات الأمريكية بآثاره في كل قطاع تقريبًا".

وبينما يظن ترامب أن بقية العالم هو من سيدفع الثمن، لكن رسوم الاستيراد تدفعها الشركات والمستهلكون الذين يستوردون البضائع من بقية العالم. وفي هذه الحالة، الشركات والمستهلكون الأمريكيون، وليس الشركات الأجنبية التي تُصدرها.

بمعنى آخر، ستؤدي الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب إلى زيادة متوسط ​​تكاليف الأسرة الأمريكية بمقدار 3800 دولار، وفقًا لمختبر ميزانية ييل.