الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المظلة النووية الأوروبية.. طموح فرنسي يصطدم بمحدودية القدرات

  • مشاركة :
post-title
أسلحة نووية فرنسية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤخرًا نظراءه الأوروبيين لمناقشة إمكانية استخدام الترسانة النووية الفرنسية كرادع ضد أي عدوان روسي مُحتمل، في تطور يعكس مخاوف متزايدة من تراجع الدور الأمريكي في حماية أوروبا، إلا أن هذا التحرك يثير تساؤلات جوهرية حول كفاية القدرات النووية الفرنسية وقدرتها على سد الفراغ الأمني المحتمل في القارة العجوز.

استجابة للقلق الأوروبي

اكتسبت فكرة توسيع "المظلة النووية" الفرنسية لحماية دول أوروبية أخرى أهمية متزايدة في ظل تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي أضعفت الثقة بحلف الناتو، وأثارت مخاوف من احتمالية تخلي الولايات المتحدة عن دورها كضامن أمني نهائي لأوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ونقلت صحيفة "فاينينشيال تايمز" البريطانية عن هوبير فيدرين، وزير الخارجية الفرنسي السابق، الذي عمل على العقيدة النووية الفرنسية، قوله "لم يكن هناك أبدًا أي طلب من دولة أوروبية لمثل هذا الأمر لأن أحدًا لم يرغب في التشكيك في الدعم الأمريكي، النقاش الذي بدأ الآن يأخذنا إلى أرض غير مستكشفة، وسيكون من الصعب للغاية حله".

الحماية النووية

تعتمد أوروبا حاليًا على المظلة النووية الأمريكية التي تشمل أكثر من 100 قنبلة متمركزة في القارة، تخضع للسيطرة الأمريكية، ولكن مصممة -وفقًا لاتفاقية "المشاركة النووية" داخل حلف الناتو- لتحملها وتلقيها طائرات مقاتلة تديرها ست دول أوروبية هي بلجيكا وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا وتركيا.

ورغم أن انسحاب الضمان النووي الأمريكي ليس أمرًا مفضلًا في أوروبا، فقد وصلت المخاوف إلى درجة دفعت قادة دولتين متمسكتين بالعلاقة الأطلسية، وهما ألمانيا وبولندا، للقول إن الاستعدادات لمثل هذا السيناريو يجب أن تبدأ، إذ طلب فريدريش ميرتس، المستشار الألماني المقبل، إجراء محادثات حول إمكانية تطبيق "الأمن النووي من المملكة المتحدة وفرنسا" على ألمانيا أيضًا، بينما رحب رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك بالفكرة، وأشار حتى إلى إمكانية حصول بولندا على القنبلة بنفسها، كما أبدت ليتوانيا ولاتفيا اهتمامهما بالعرض الفرنسي.

قدرات فرنسية محدودة

تواجه فكرة الاعتماد على المظلة النووية الفرنسية تحديًا رئيسيًا يتمثل في محدودية القدرات مقارنة بالقوى النووية الكبرى، إذ، وفقًا لما أشارت الصحيفة نقلًا عن خبراء، تمتلك فرنسا نحو 300 رأس حربي فقط، وهو ما يمثل جزءًا بسيطًا من الترسانة الأمريكية البالغة 5000 رأس حربي، والترسانة الروسية المقدرة بنحو 5580 رأسًا حربيًا، والتي نقلت موسكو بعضًا منها مؤخرًا إلى بيلاروسيا.

وتفتقر باريس إلى الأسلحة النووية التكتيكية، وهي ذات القوة الأقل والمدى الأقصر المصممة للاستخدام في ساحة المعركة، ولديها خيارات محدودة للتصعيد التدريجي مقارنة بالولايات المتحدة وروسيا، إذ إن الاستراتيجية الفرنسية النووية تعتمد على تنفيذ "ضربة تحذيرية" نووية ضد الخصم قبل تدمير أهداف رئيسية مثل المدن الكبرى في حال التعرض لتهديد خطير.

الردع الأوروبي المشترك

رغم التحديات، لا تزال فرنسا تملك عدة خيارات لتعزيز قدرات الردع الأوروبية، إذ يرى مسؤولون سابقون وخبراء أن أحد أهم هذه الخيارات هو توضيح عقيدتها النووية بشكل أكثر صراحة حول آليات مساعدة الحلفاء الأوروبيين، حتى لو حد ذلك من حرية عمل الرئيس الفرنسي.

وفي هذا السياق، يؤكد كاميل جراند، المسؤول السابق في حلف الناتو الذي يعمل حاليًا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن على فرنسا أن تكون أكثر تحديدًا، قائلًا: "إذا كان الجواب على كل سؤال يطرحه حلفاؤنا هو مجرد، ثقوا بنا، سيتصرف الرئيس الفرنسي عندما يرى ذلك مناسبًا، فإننا لا نقدم شيئًا مطمئنًا لحلفائنا".

التكامل الفرنسي-البريطاني

ستشمل المباحثات، التي يقودها ماكرون، المملكة المتحدة أيضًا، باعتبارها القوة النووية الأوروبية الوحيدة الأخرى.

وتجدر الإشارة إلى أن الردع النووي البريطاني القائم على الغواصات، والذي يستخدم ما يصل إلى 260 رأسًا حربيًا بريطانية التصميم، يتم إيصالها بواسطة صواريخ ترايدنت أمريكية الصنع، مخصص بالفعل لحماية أوروبا من خلال حلف الناتو.

وبحسب ماريون ميسمر، خبيرة الأمن الدولي في مؤسسة "تشاتام هاوس" البريطانية، فإن أبسط وأسرع طريقة لفرنسا لتعزيز الردع الأوروبي ستكون انضمامها إلى مجموعة التخطيط النووي لحلف الناتو؛ لتخصيص أسلحتها النووية للدفاع الجماعي، إلا أن هذا سيتعارض مع تقليد فرنسي راسخ للاستقلال النووي يعود إلى عهد الجنرال شارل ديجول، الذي كان يعتقد أن وعود الأمن الأمريكية لا يمكن الوثوق بها تمامًا.

وقد أكد ماكرون مرارًا أن الرئيس الفرنسي سيحتفظ دائمًا بالسلطة النهائية لتقرير استخدام السلاح النووي.

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى عدة خطوات عملية يمكن اتخاذها لتوسيع نطاق الردع الفرنسي، إذ سبق لبريطانيا وفرنسا في عام 1995 أن أصدرتا ما يُعرف بإعلان تشيكرز، الذي نص على أنهما "لا يمكن أن تتصورا وضعًا يمكن فيه تهديد المصالح الحيوية لأي من البلدين، دون أن تكون المصالح الحيوية للبلد الآخر مهددة أيضًا"، ويمكن الآن إصدار بيان مماثل مع دول أوروبية أخرى، أو ربما ربطه بشرط الدفاع المشترك للاتحاد الأوروبي.

واقترح برونو تيرتريس، الخبير البارز في الردع النووي، في مقال نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، أن ترسل فرنسا "إشارة تشغيلية قوية" من خلال نشر طائرات رافال المقاتلة مؤقتًا بدون رؤوس حربية نووية في قواعد "الشركاء الأكثر قلقًا، مثل بولندا"، كما يمكن لبار