في ظل تصاعد القمع السياسي في إسرائيل، يواجه الفنانون الفلسطينيون خطر الاعتقال بسبب تعبيرهم عن آرائهم عبر وسائل مختلفة، بما في ذلك الكوميديا، ويسلط تقرير نشره موقع "+972" الإسرائيلي الضوء على اعتقال الفنان الكوميدي الفلسطيني نضال بدارنة، الذي وجد نفسه في غرفة التحقيق الإسرائيلية بسبب نكاته الساخرة حول الوضع السياسي والمحتجزين الإسرائيليين في غزة.
هذا الاعتقال لم يكن مجرد حادثة فردية، بل جزءًا من حملة قمع أوسع تستهدف الفنانين الفلسطينيين وكل من يعبر عن رأي مخالف للسردية الرسمية الإسرائيلية.
اعتقال نضال بدارنة
في 24 فبراير 2025، اقتحمت الشرطة الإسرائيلية منزل نضال بدارنة في حيفا واعتقلته بتهمة "الإخلال بالنظام العام"، وهي تهمة فضفاضة تُستخدم لقمع الأصوات المعارضة، وجاء الاعتقال بعد أسابيع من التحريض اليميني ضده بسبب نكاته التي تضمنت سخرية من المحتجزين الإسرائيليين في غزة المفرج عنهم.
قبل ذلك بفترة قصيرة، كان برنامج "هازينور" الإسرائيلي نشر ترجمة لنكات بدارنة، ما أدى إلى حملة تحريض واسعة من الجماعات اليمينية، التي ضغطت على الشرطة لإلغاء عروضه، وفي النهاية استجابت السلطات الإسرائيلية لهذا الضغط، ليس فقط بإلغاء العروض، ولكن باعتقاله أيضًا.
قمع متزايد للفنانين الفلسطينيين
اعتقال بدارنة ليس حادثة معزولة، بل يأتي في سياق قمع أوسع للفلسطينيين داخل إسرائيل، خاصة بعد السابع من أكتوبر، ووفقًا لمنظمة "عدالة" لحقوق الإنسان، تم توجيه ما يقرب من 200 تهمة "تحريض" ضد مواطنين فلسطينيين منذ بدء الحرب، شملت هذه التهم العديد من الشخصيات الثقافية، بمن فيهم فنانون وصحفيون وأكاديميون.
وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهار، كان من بين المؤيدين لاعتقال بدارنة، إذ صرح قائلًا: "كل من يمزح بشأن المحتجزين مكانه السجن أو غزة، لا المسرح"، هذا التصريح يعكس بوضوح كيف يتم استخدام النظام القانوني الإسرائيلي كأداة للقمع السياسي، ليتم إسكات أي صوت معارض.
ازدواجية المعايير
في إسرائيل، يبدو أن معايير حرية التعبير تُطبق بشكل انتقائي، ففي حين يُعتقل الكوميديون الفلسطينيون بسبب نكاتهم، يُسمح لنظرائهم الإسرائيليين بالسخرية من الفلسطينيين دون عواقب.
على سبيل المثال، برنامج "أرض نيهدريت" الإسرائيلي قدم مشهدًا ساخرًا عن المحتجزين المفرج عنهم، ولم يواجه أي انتقادات حكومية، كما أن الممثل الكوميدي الإسرائيلي جاي هوشمان نشر مقطع فيديو لنفسه على شاطئ غزة وهو يقول "كل شيء لنا"، بينما سخر زميله آفي نوسباوم من قتل الفلسطينيين في غزة في أحد عروضه.
الأكثر إثارة للجدل كان تصريح كاتب تلفزيوني إسرائيلي في برنامج شهير قال فيه ساخرًا: "إسرائيل لا ترتكب إبادة جماعية في غزة.. للأسف"، لم يتم اعتقال أي من هؤلاء الكوميديين، ما يكشف التناقض الصارخ في معايير حرية التعبير بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
كوميديا للدعاية الإسرائيلية
توقع البعض أن يستخدم الفنانون الإسرائيليون منصاتهم للدعوة إلى وقف القتل والعدوان العسكري، ولكن بدلاً من ذلك، انخرط العديد منهم في تعزيز النزعة العسكرية، فيتم تنظيم عروض كوميدية داخل القواعد العسكرية وعلى الدبابات وبين أنقاض غزة، حيث أصبحت الكوميديا جزءًا من آلة الدعاية الحربية.
في هذا السياق، يُنظر إلى الكوميديين الفلسطينيين الذين ينتقدون النظام الإسرائيلي على أنهم تهديد أمني، بينما يتم الترحيب بالكوميديين الإسرائيليين الذين يسخرون من الفلسطينيين باعتبارهم "وطنيين"، هذا التحول في دور الكوميديا يعكس الانحدار السريع في حرية التعبير داخل إسرائيل.
انعكاسات مستقبلية
اعتقال بدارنة ليس سوى جزء صغير من المشهد الأوسع للقمع المتزايد داخل إسرائيل، ما بدأ كقمع موجه ضد الفلسطينيين قد يمتد ليشمل المعارضين اليهود أيضًا، وحذرت الكاتبة الإسرائيلية ناتالي ماركوس، التي تعرضت سابقًا لتهديدات قانونية بسبب عملها في برنامج "اليهود قادمون"، من أن القمع الحالي قد يصل قريبًا إلى الفنانين اليهود الذين ينتقدون النظام الإسرائيلي.
في تصريحها لموقع "+972"، قالت ماركوس: "إذا لم نعلن نحن -المُبدعين والكوميديين والساخرين- رفضنا اعتقال بدارنة، فسنصل إلى مرحلة نكون فيها التالين في القائمة"، هذا التحذير يعكس القلق المتزايد من أن النظام الإسرائيلي لا يستهدف فقط الفلسطينيين، بل يسعى إلى قمع أي معارضة داخلية.