الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عقيدة الأقوياء.. نظام ترامب العالمي الجديد

  • مشاركة :
post-title
في عالمنا المتعدد الأقطاب تتسابق روسيا والصين وأمريكا لتأمين مصالحها الاستراتيجية

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

قبل 80 عامًا، اجتمعت ثلاث قوى عظمى، هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي، في شبه جزيرة القرم، لتقرير مصير القارة الأوروبية التي مزقتها الحرب.

وفي يالطا، وضع فرانكلين ديلانو روزفلت وونستون تشرشل وجوزيف ستالين الشروط التي أدت في النهاية إلى الستار الحديدي، ما أدى إلى تأجيج الحرب الباردة التي استمرت عقودًا من الزمن.

أمّا في الوقت الحالي، يبدو أن النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية على وشك الانهيار، إذ يتعرض للضغط من جميع الجوانب بسبب عودة فكرة "الرجال الأقوياء" في سدة الحكم، والنزعات القومية المنتشرة في أماكن شتى من العالم -خاصة الغرب- ومحاولة ترسيم مناطق النفوذ، وهي الموجة التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وحسب تقرير لموقع "أكسيوس"، يزدري "ترامب" علنًا المؤسسات الدولية والتحالفات التقليدية، وبدلاً من ذلك يرى فرصة عظيمة في عالم تُهيمن عليه القوى العظمى، ويتم التحكم فيه من خلال عقد الصفقات.

ووفقا للمسؤولين الأمريكيين، يعتمد نهج ترامب على "الواقعية"، والاعتقاد بأن "القيم المشتركة" و"الأعراف الدولية" وغيرها من "المفاهيم الهشَّة" لا يمكن أن تحل محل "القوة الصارمة".

وفي جلسة تأكيد تعيينه في منصبه الشهر الماضي، قال ماركو روبيو، وزير خارجية ترامب، إن "النظام العالمي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية لم يعد عتيقًا فحسب، بل أصبح الآن سلاحًا يستخدم ضدنا".

تقويض القواعد

في الماضي، ساعدت الولايات المتحدة في فرض المعايير العالمية، مثل التجارة، لكن ترامب يعمل الآن على تقويضها.

وفي السابق، فرضت فترة ولاية ترامب الأولى تهديدات على التحالفات والهياكل التي نشأت في القرن العشرين، مثل حلف شمال الأطلسي "ناتو"، ومنظمة التجارة العالمية، وحتى الأمم المتحدة، بينما تأتي ولايته الثانية لتحاول الإجهاز عليها باعتبارها "عتيقة عمليًا".

وبدت عن هشاشة "النظام العالمي القائم على القواعد" -كما يطلق عليه الغرب دومًا- على المسرح الأبرز الذي تم إنشاؤه لدعم هذا النظام، عندما صوتت الولايات المتحدة، الاثنين، في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار يدين روسيا في الذكرى الثالثة للحرب مع أوكرانيا.

وكانت هذه هي المرة الأولى منذ عام 1945 التي تقف فيها الولايات المتحدة إلى جانب روسيا -وضد أوروبا- في قرار يتعلق بالأمن الأوروبي، بحسب جيمس لانسديل من هيئة الإذاعة البريطانية BBC.

وبينما كل الزعماء الغربيين -تقريبًا- ينظرون إلى روسيا باعتبارها دولة "مارقة" و"معتدية"، ويخشون أحلام العودة السوفييتية القديمة، يرى ترامب في موسكو شريكًا محتملًا.

لذلك، بالنسبة لأوروبا، التي اعتمدت على واشنطن لضمان أمنها على مدى العقود الثمانية الماضية، فإن هذا ليس مجرد جرس إنذار، لكنه تحدٍ وجودي يضع التحالف عبر الأطلسي بأكمله موضع تساؤل؛ وفق "أكسيوس".

تحقيق الاستقلال

خلال مناسبات عدة، أعربت إدارة ترامب عن ازدرائها العلني لأوروبا بشأن قضايا تتجاوز الدفاع الجماعي، بما في ذلك التجارة والهجرة وحرية التعبير والثقافة.

الأسبوع الماضي، أثناء طرحه لرسوم جمركية بنسبة 25% على سلع الاتحاد الأوروبي، قال ترامب في المكتب البيضاوي: "لقد تم تشكيل الاتحاد الأوروبي من أجل خداع الولايات المتحدة.. هذا هو الغرض منه، وقاموا بعمل جيد".

وفي خطاب ناري ألقاه في مؤتمر ميونخ للأمن هذا الشهر، وصف نائبه جيه دي فانس العولمة بأنها سبب سقوط المجتمع الأوروبي، قائلًا: "هناك شريف جديد في المدينة (يقصد حاكم جديد لأمريكا)".

لذا، بعد فوزه في الانتخابات الأحد الماضي، قال زعيم حزب المحافظين الألماني فريدريش ميرز، إن "أولويته المطلقة" هي تعزيز أوروبا بسرعة حتى تتمكن من "تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة".

واعترف ميرز: "لم أكن لأصدق قط أنني سأضطر إلى قول شيء كهذا على شاشة التلفزيون، ولكن بعد تصريحات دونالد ترامب الأسبوع الماضي، بات من الواضح أن الأمريكيين غير مبالين إلى حد كبير بمصير أوروبا".

صفقات كبرى

يشير "أكسيوس" إلى أنه في عالمنا المتعدد الأقطاب اليوم، تتسابق الولايات المتحدة وروسيا والصين لتأمين مصالحها الاستراتيجية وتعزيز أو توسيع مجالات نفوذها.

وبينما يحلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعادة تشكيل الكتلة السوفييتية، تراقب الصين -القوة الاقتصادية والعسكرية العظمى تحت قيادة شي جين بينج- أوكرانيا عن كثب، بينما تفكر فيما إذا كانت ستغزو تايوان من خلال "إعادة التوحيد".

وفي الوقت نفسه، انفصل ترامب بشكل حاد عن أسلافه من خلال الدعوة إلى توسيع الأراضي الأمريكية "لتشمل ربما كندا وجرينلاند وقناة بنما وحتى قطاع غزة"، وفق التقرير.

كما عقد الرئيس الأمريكي أيضًا صفقات كبرى مع بكين وموسكو في كل شيء، بدءًا من التجارة وحتى الأسلحة النووية.

ويلفت التقرير إلى أن "هذا هو التنافس بين القوى العظمى في شكله الأكثر نقاءً، وهو الاتجاه الذي يبدو أن ترامب عازم على أخذ العالم إليه، ما يثير الفزع العميق في البلدان الصغيرة".

وينقل التقرير عن أليكس يانجر، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (MI6)، تحذيره الأسبوع الماضي بأن "هذه هي عقلية دونالد ترامب، وهي بالتأكيد عقلية بوتين، وهي عقلية شي جين بينج، لكنها ليست عقلية أوروبا.. هذا هو العالم الذي نتجه إليه".