تستمر فعاليات وعروض الدورة الـ75 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، المنعقدة خلال الفترة من 13 حتى 23 فبراير الجاري، التي شهدت أفلام مرتقبة لبعض أهم المخرجين العالميين، منهم على سبيل المثال المخرج الأمريكي ريتشارد لينكلاتر، والمخرج الروماني الحائز على الدب الذهبي لبرلين رادو جود.
وفي المجمل حملت مسابقة الدورة الـ75 لمهرجان برلين السينمائي مفاجآت عديدة بعضها كان غير متوقع، مثل تميز الفيلم البرازيلي المكسيكي التشيلي الهولندي المشترك The Blue Trail للمخرج جابريال ماسكارو، الذي تدور أحداثه حول تيريزا، 77 عامًا، وعاشت طوال حياتها في بلدة صناعية صغيرة في الأمازون، حتى تلقت يومًا ما أمرًا رسميًا من الحكومة بالانتقال إلى مستعمرة سكنية لكبار السن، تقع في منطقة معزولة، حيث يتم إرسال المسنين "للاستمتاع" بسنوات عمرهم الأخيرة، ما يسمح للجيل الأصغر بالتركيز بشكل كامل على الإنتاجية والنمو، ترفض تيريزا قبول هذا المصير المفروض عليها. وبدلًا من ذلك، تنطلق في رحلة مصيرية عبر أنهار وروافد الأمازون لتحقيق أمنية أخيرة قبل أن تُسلب حريتها وهو القرار الذي سيغير مصيرها إلى الأبد.
كما عُرض فيلم The Ice Tower للمخرجة الفرنسية لوسيل هادزيهاليلوفيتش، بطولة النجمة الفرنسية ماريون كوتيار، الذي جاء مخيبًا جدًا للآمال وتدور أحداثه في أجواء أبرد من الجليد، خلال سبعينيات القرن الماضي، وبجذب من أضواء المدينة في الوادي، تهرب جان، البالغة من العمر 16 عامًا، من دار الأطفال الواقعة في أعالي الجبال، تجد ملاذًا في استوديو سينمائي تستكشفه سرًا ليلًا، في النهار، يتم تصوير فيلم ملكة الثلج هناك، إذ تلعب الممثلة الغامضة كريستينا دور البطولة، تقع "جان" فورًا تحت سحر النجمة الجميلة والمعذبة، ينشأ انجذاب متبادل بين الممثلة والفتاة، ومع مرور الوقت، تبدأ جان في لعب دور متزايد الأهمية في التصوير، ومع تعمق هوسها بعالم ملكة الثلج، يندمج الواقع مع الخيال، والفيلم مع الحقيقة، في لعبة سحرية ومتاهة غامضة، لكن هناك ثمن يجب دفعه.
أما الفيلم الأمريكي IF I HAD LEGS I'D KICK YOU فكان إحدى المفاجآت السارة لمسابقة المهرجان العريق هذا العام، وأثبت أنه يستحق الانضمام لها حتى بعد أن شهد عرضه العالمي الأول من خلال المهرجان الأمريكي صندانس، تدور أحداث الفيلم حول ليندا "أم عاملة" وصلت حافة الانهيار، وعندما ينهار سقف منزلها حرفيًا فوق رأسها، تجد نفسها مضطرة لمواجهة أزمة جديدة، إذ تضطر للإقامة في موتيل مع ابنتها الصغيرة بينما تحاول إيجاد حل لإصلاح الثقب في سقفها، والتعامل مع مرض ابنتها، والبحث عن مريضة مفقودة، وسط طوفان من الأشخاص الذين يبدو أنهم غير قادرين على مساعدتها.
كما عُرض الفيلم الصيني Girls on Wire، الذي تدور أحداثه حول نشأة تيان تيان وفانج دي كالأخوات، حتى فرّقتهما الصعوبات العائلية. تغادر فانج دي للعمل كبديلة في أكبر استوديوهات السينما بالصين لسداد ديون عائلتها، بينما تبقى تيان تيان لمواجهة إدمان والدها، فتقع فريسة للمافيا المحلية، مجبرة على الهرب إلى المدينة الكبيرة، تبحث تيان تيان عن ابنة عمها. وبينما تجد الاثنتان نفسيهما مجددًا معًا رغم إرادتهما، تلاحقهما العصابات، وسيكون عليهما توحيد قوتهما وصمودهما للهروب من مصير درامي يهدد بالقضاء عليهما معًا.
أما الفيلم الألماني What Marielle Knows فتدور أحداثه حول الزوجين جوليا وتوبياس اللذين يشكلان زوجين مثاليين، لكن خلف الواجهة الراقية والمطبخ المصمم بعناية، تتصاعد التوترات. ينهار التوازن الهش بينهما عندما تُمنح ابنتهما مارييل قدرة خارقة، تمنحها القدرة على رؤية وسماع كل ما يفعله والداها ليلًا ونهارًا. سرعان ما يدرك الزوجان أن الأكاذيب التي كانا يخبئانها عن بعضهما لم تعد سرية. ومع انكشاف أسرارهما الأكثر إزعاجًا، ينخرطان في لعبة تؤدي إلى مواقف متزايدة الحرج والغرابة، ما يزيد من تصاعد الصراع وعواقبه.
ومن الملاحظ بشدة على اختيارات مسابقة هذا العام أن معظم الأفلام تدور حول موضوعات العلاقات العائلية بشكل عام والأمومة بشكل خاص كما هو الحال مع الفيلم الألماني النمساوي السويسري المشترك MOTHER'S BABY، الذي تدور أحداثه حول جوليا، قائدة أوركسترا ناجحة تبلغ من العمر 40 عامًا، وشريكها جورج يتوقان لإنجاب طفل، وعندما يقدم لهما د. فيلفورت، أخصائي الخصوبة في عيادته الخاصة، أملًا من خلال إجراء تجريبي، يوافقان على المحاولة. تنجح جوليا في الحمل بعد العلاج في العيادة، لكن الولادة لا تسير كما هو متوقع، ويتم أخذ الطفل فورًا لتلقي رعاية إضافية، تاركين جوليا وزوجها في حالة من الغموض بشأن ما حدث. وعندما تلتقي جوليا طفلها، تشعر بغربة غريبة تجاهه. مع مرور الوقت، يؤدي وجود الطفل إلى توتر في علاقتهما الزوجية، إذ يصبح من الواضح أن جوليا تشك فيما إذا كان الطفل الذي أعيد إليها هو حقًا طفلها.
كما عُرض أحد أكثر الأفلام المرتقبة ليس فقط في مسابقة المهرجان، لكن للعام السينمائي بشكل عام وهو فيلم BLUE MOON أحدث أفلام المخرج الأمريكي ريتشارد لينكلاتر، الذي يحكي قصة كاتب الأغاني الأسطوري لورينز هارت، الذي يواجه بشجاعة مستقبله بينما تتداعى حياته المهنية والخاصة، خلال حفل افتتاح العرض الناجح لشريكه السابق ريتشارد رودجرز، أوكلاهوما! ليلة 31 مارس 1943، إنه تأمل في الصداقة والفن والحب، ويعرض لوحة غنية من الكتّاب والممثلين والموسيقيين والأصدقاء والمتدربين ومزيجًا من المشاهير ومن هم على وشك الشهرة. بحلول نهاية هذه الليلة، سيواجه هارت عالمًا تغير بشكل لا رجعة فيه بسبب الحرب، إضافة إلى استحالة الحب كما يبدو. يتميز الفيلم بأداء قوي من إيثان هوك في دور لورينز هارت، وأندرو سكوت في دور ريتشارد رودجرز، ومارجريت كوالي في دور إليزابيث، المتدربة لدى هارت، وبوبي كانافالي في دور الساقي، الصديق، والمقرب لهارت. بأسلوبه الكوميدي الرشيق، يلتقط لينكلاتر لحظة فريدة ومدهشة في الزمن وفي عمر ومشوار هارت المهني ثم يصيغها سينمائًا ببراعة متقنة.
أما عن أكثر أفلام المسابقة المخيبة للآمال حتى الآن فكان فيلم KONTINENTAL '25 للمخرج الروماني رادو جود، الذي سبق وأن حصل فيلمه Bad Luck Banging or Loony Porn على جائزة الدب الذهبي للمهرجان عام 2021. الفيلم إنتاج مشترك بين رومانيا والمجر وألمانيا وتدور أحداثه حول انتحار رجل مشرد بعد أن تم طرده من ملجأه في قبو منزل، وأورسوليا، القانونية التي نفذت عملية الطرد، وتجد نفسها مضطرة للقيام بمحاولات عديدة للتعامل مع مشاعر الذنب التي تراودها.
حاول جود باستخدام مزيج من الدراما والكوميديا، تحليل مواضيع متنوعة مثل أزمة الإسكان، والاقتصاد ما بعد الاشتراكي، والقومية، وقوة اللغة في الحفاظ على الوضع الاجتماعي، لكن طريقة سرد الفيلم لم تساعد على إبراز كل هذه الأفكار.