سحبت الأجواء السياسية العالمية البُساط من سحر السينما وأضواء نجومها في حفل افتتاح مهرجان برلين السينمائي، الذي أقيم مساء اليوم الخميس، إذ بدأت ليلة افتتاح الدورة الـ75 مُحاطة بالكثير من القضايا السياسية والمشاعر الإنسانية مع العديد من المظاهرات على السجادة الحمراء وفي المناطق المجاورة.
في ليلة شديدة البرودة ووسط تساقط الثلوج، شهد محيط حفل افتتاح المهرجان تجمع الكثير من داعمي القضية الفلسطينية، لتأكيد حق الفلسطينيين في أرضهم ورفضهم محاولات تهجيرهم، خصوصًا في ظل التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي ترامب.
تيلدا سوينتون: اللاإنسانية تُرتكب تحت أنظارنا
هذا التضامن مع القضية الفلسطينية انتقل إلى مسرح قصر برليناله، إذ يقام حفل الافتتاح إذ استخدمت النجمة تيلدا سوينتون، فرصتها للحديث بعد تكريمها بجائزة الدب الذهبي عن إنجازاتها مدى الحياة، للتنديد بالتطرف السياسي والتدهور البيئي وصعود الاستبداد.
ودون أن تنطق بكلمة غزة أو فلسطيني، ألقت النجمة الاسكتلندية الحائزة على جائزة الأوسكار أيضًا خطابًا عاطفيًا لدعم ما أطلقت عليه "دولة السينما المستقلة العظيمة"، التي وصفتها بأنها "عالم غير محدود، شامل بطبيعته، محصن ضد جهود الاحتلال والاستعمار والاستيلاء والملكية أو تطوير عقارات ريفييرا"، والأخيرة إشارة واضحة إلى الخطط المقترحة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لغزة، حسبما ذكرت صحيفة "هوليوود ريبورتر".
وانتقدت سوينتون ما أسمته الهيمنة المستحقة والوحشية المذهلة، التي تتسم بالكراهية، والجرائم والقتل الجماعي الممول دوليًا، وقالت إنه أمر غير مقبول للمجتمع البشري.
وأضافت: "هذه حقائق، لا بد من مواجهتها، لذا من أجل الوضوح، دعونا نقول، إن اللاإنسانية ترتكب تحت أنظارنا، وأنا هنا لأسميها دون تردد أو شك في ذهني، ولأعرب عن تضامني الثابت مع كل أولئك الذين يدركون الرضا غير المقبول لحكوماتنا المدمنة على الجشع، التي تتعامل بلطف مع مخربي الكواكب ومجرمي الحرب، أينما أتوا".
احتجاجات أخرى
وشكل العديد من المحتجين احتجاجًا آخر على السجادة الحمراء، الليلة، مرتدين أقنعة ورفعوا أيديهم مطلية بما يبدو أنه طلاء أحمر، وارتدى البعض منهم قمصانا عليها شعار #genuggeschwiegen، الذي يُترجم إلى "كفى من الصمت"، وهو اسم حملة في ألمانيا ضد الإساءة في صناعات السينما والتلفزيون والبث المباشر والمسرح.
وبدعم من العشرات من صناع الأفلام، تلتزم الحملة "بضمان رفع المتضررين لأصواتهم وتوعية الجمهور وبدء إصلاحات سياسية لمنع الإساءة البنيوية"، حسبما ذكرت صحيفة "فارايتي".
فيلم الافتتاح
انطلقت الدورة الـ75 من مهرجان برلين بالعرض الأول عالميًا للدراما الألمانية The Light "النور" للمخرج توم تيكوير، الذي تدور قصته حول مدبرة منزل سورية تعمل لدى أسرة ألمانية تعاني ماديًا، لكنها تنجح في إدخال السعادة إلى حياة الأسرة وتغيرها بشكل جذري وإيجابي.
ومخرج الفيلم؛ قال في تصريحات سابقة، إن العمل بمثابة بيان سياسي صارم، خصوصًا في ظل صعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، الذي يدافع عن قواعد جديدة صارمة ضد الهجرة.
وفي كلمتها بحفل الافتتاح أدلت مديرة مهرجان برلين السينمائي الجديدة تريشا تاتل، ببيان تعاطف واسع النطاق مع أولئك الذين يعانون في جميع أنحاء العالم، من المتضررين من الحرائق في لوس أنجلوس إلى ضحايا الحرب الأهلية في السودان إلى الناس في غزة.
وحضر حفل افتتاح المهرجان العديد من صناع السينما البارزين، منهم الممثلة الصينية فان بينج بينج، المخرج المغربي نبيل عيوش، المخرج الأرجنتيني رودريجو مورينو، الممثلة والمخرجة الألمانية ماريا شرادر، مصممة الأزياء الألمانية بينا دايجلر، الناقدة السينمائية الأمريكية إيمي نيكلسون، الممثلة والمخرجة نيكوليت كريبتز، وتالا الدين، والمخرج وكاتب السيناريو توم تيكوير، ولارس إيدينجر.
وحضر أيضًا فاتح أكين، ميريت بيكر، وارس إيدنجر، هربرت جرونماير، هايكي ماكاتش، ساندرا مايشبيرجر، فولكر شلوندورف، لانا واتشوسكي، فيونا شو، وتوم فلاشيها.
ترامب
كان هناك أمل في أن يعود التركيز بشكل أكثر مباشرة إلى الأفلام في دورة هذا العام من برلين السينمائي، لكن مع الانتخابات التشريعية المقبلة في ألمانيا، والأجواء المشحونة بالولايات المتحدة تحت حكم دونالد ترامب، وجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين والحرب الروسية الأوكرانية، فرضت الظلال السياسية نفسها، إذ تلقى رئيس لجنة التحكيم تود هاينز سؤلًا في مؤتمر صحفي، قبل حفل الافتتاح عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والسياسة اليمينية المتطرفة.
وقال هاينز في المؤتمر: "نحن في حالة أزمة خاصة الآن بالولايات المتحدة، وأيضًا على مستوى العالم، كل من أعرفهم في الولايات المتحدة، يشهدون هذا القصف من الإجراءات في الأسابيع الثلاثة الأولى من إدارة ترامب بقلق وصدمة هائلين".
وأضاف: "ليس لديّ شك في أن العديد من الأشخاص الذين صوتوا لصالح هذا الرئيس، سيشعرون سريعًا بخيبة الأمل إزاء الوعود التي قطعها بشأن الاستقرار الاقتصادي في الولايات المتحدة".