نجوم جديدة.. أصوات سينمائية صاعدة في المهرجان
وسط أجواء سينمائية مشحونة بالعاطفة والذكريات، سلّط مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة في دورته الـ26، برئاسة المخرجة هالة جلال، الضوء على الفيلم الوثائقي "خط التماس" (Green Line) للمخرجة سيلڤي باليوت، الذي يأخذ المشاهدين في رحلة داخل ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية، حيث تتقاطع الآلام الفردية مع الجراح الجماعية.
رحلة في ذاكرة بيروت الممزقة
تناول الفيلم قصة "فداء"، التي نشأت في بيروت خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية، وسط الدمار والمجازر التي تركت آثارًا عميقة على الأجيال اللاحقة. استمعت فداء إلى جدتها وهي تروي أهوال تلك الحقبة، ما دفعها إلى التساؤل عن معنى الحياة في ظل صراعات لا تنتهي. الفيلم، الذي أُنتج بشراكة بين فرنسا ولبنان وقطر، يقدّم شهادة بصرية حية عن معاناة الأفراد في ظل الحروب المستمرة.
اعتمدت المخرجة على تقنيات فنية مبتكرة، حيث استخدمت نماذج مصغرة لمباني بيروت، مع تماثيل تحاكي البيئة التي نشأت فيها بطلة الفيلم، لتعيد من خلالها مواجهة رجال الميليشيا الذين زعموا أنهم يحمون المدنيين، لكنهم كانوا مصدر رعبها الحقيقي.
تأثير الحرب
شهد قصر ثقافة الإسماعيلية ندوة متميزة حول الفيلم، حضرها جمهور كبير وتفاعل مع صناع العمل. تحدثت خلالها المخرجة سيلڤي باليوت عن تجربتها في تناول مواضيع متنوعة في أفلامها الوثائقية، مشيرة إلى أن أول أعمالها كان فيلم Love and Words are Politics عام 2007، الذي صوّرته في اليمن. وأوضحت أن تجربتها هناك كانت سهلة نظرًا لاختلاطها بالعرب، ما منحها قدرة أكبر على تقديم منظور صادق للأحداث.
وأشارت "باليوت" إلى أن تناولها للقضايا لا يعتمد فقط على الموضوعية، بل يمتد إلى رؤيتها الشخصية، حيث تسعى إلى إيصال أصوات شخصيات أفلامها بأكبر قدر من الصدق.
وعند سؤالها عن تأثير الأحداث السياسية الراهنة على استقبال الفيلم، أوضحت أن عرضه الأول كان في أغسطس الماضي خلال مهرجان لوكارنو، حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم، لكن مع تصاعد الأحداث في غزة ولبنان لاحقًا، لاحظت اختلافًا في ردود فعل الجمهور عند عرضه في مهرجان مراكش، إذ بدا أكثر وعيًا وتأثرًا بالرسائل التي يحملها الفيلم.
نهاية مفتوحة ومساحة للأمل
أكدت "باليوت" أن النهاية المفتوحة للفيلم كانت خيارًا مقصودًا، حيث أرادت ترك مساحة للأمل رغم كل المآسي التي يعالجها العمل، مضيفة أنها لم تعد تتابع الوضع في لبنان بشكل دقيق، لكنها تأمل في مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
حظي الفيلم بتصفيق حار وإشادات واسعة، باعتباره شهادة إنسانية صادقة عن آثار الحروب والنزاعات، ورؤية فنية تعكس ببراعة صراعات الأفراد في ظل أزمات لا تزال تلقي بظلالها على المنطقة.
أصوات سينمائية جديدة
إلى جانب العروض الوثائقية المتميزة، شهد مهرجان الإسماعيلية عرض أفلام مسابقة "النجوم الجديدة"، التي قدمت أعمالًا لمخرجين صاعدين، حيث امتلأت قاعة قصر ثقافة الإسماعيلية بجمهور متحمس لمتابعة تجارب سينمائية تعكس قضايا اجتماعية وإنسانية متنوعة.
ضمت قائمة الأفلام المعروضة: "أنا الشمس"، و"غنوة"، و"البر التاني"، و"باسم الابن"، و"رحيل"، و"40"، و"القطار 118"، و"4 أيام"، حيث تناولت موضوعات مثل البحث عن الهوية، تأثير الموسيقى، معاناة المهاجرين غير الشرعيين، وصراعات الأجيال.
عقب العروض، أدار النقاد جلسة نقاشية شهدت تفاعلًا كبيرًا بين الجمهور وصنّاع الأفلام، حيث تمت مناقشة الأساليب الإخراجية ومدى تأثير السينما المستقلة في طرح قضايا المجتمع. وأشادت المخرجة هالة جلال بالمواهب الجديدة، مؤكدة أن المهرجان يهدف إلى دعم الإبداع السينمائي وإتاحة الفرصة للأجيال القادمة للتعبير عن رؤاهم بأساليب مبتكرة.
ملتقى الإسماعيلية
على جانب آخر أسدل ملتقى الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة الستار على فعالياته، وسط حضور بارز لصناع السينما، حيث شهد الحفل الختامي توزيع الجوائز على الفائزين دعمًا للمواهب الشابة وتشجيعًا لصناعة الأفلام المستقلة.
حصل فيلم "بنات الجزيرة الخضراء" للمخرجة روجينا طارق وفيلم بيت في مكان ما للمخرجة رانية زهرة على جائزة Plateau 84 لأفضل مونتاج، أما جائزة سرد للاستشارة في الكتابة فذهبت إلى فيلم "آخر أيام الربيع" للمخرج محمد ربيع حسن وفيلم هاجي للمخرج خالد فارس.
ونالت المخرجة ناهد نصر جائزة نظرة وقيمتها خمسون ألف جنيه عن فيلمها "حكاية الكهف"، كما حصل الفيلم نفسه على جائزة سرد بقيمة خمسين ألف جنيه.
وفاز فيلم "حكايات الحب الأربعة" للمخرج ماجد عطا بـجائزة فيلم كلينك بينما ذهبت جائزة AA Films إلى فيلم كفر الدوار للمخرج محمد إبراهيم.
ترأس الملتقى مصطفى يوسف وماجي مرجان، فيما ضم لجنة تحكيم متميزة، شملت هادي زكاك، منى أسعد، إيمانويل دوموريس، إلى جانب مستشاري المشروعات السينمائية محمود عزت، تغريد العصفوري، ماريون شميت، وعبد الفتاح كمال.
ويواصل ملتقى الإسماعيلية الدولي للأفلام ترسيخ مكانته كإحدى أهم المنصات الداعمة للمواهب السينمائية الصاعدة من خلال إتاحة الفرص للتطوير والتشبيك مع المتخصصين وتشجيع التجارب الإبداعية في مختلف مجالات صناعة الأفلام
عروض سينمائية تصل إلى فايد
وفي سياق آخر وضمن استراتيجيته لتوسيع نطاق العروض، نظّم المهرجان عرضًا خاصًا في أحد مراكز الشباب بمدينة فايد، حيث قُدمت مجموعة من الأفلام المختارة، بحضور مخرجين ونقاد ومحبي السينما التسجيلية.
أوضحت هالة جلال أن المهرجان يسعى لإشراك المجتمعات المحلية في الفعاليات الثقافية، مؤكدة أن السينما لا ينبغي أن تقتصر على القاعات التقليدية، بل يجب أن تصل إلى مختلف الشرائح الاجتماعية.
نظرة إلى الماضي
كما شهد المهرجان عروضًا متميزة ضمن برنامج "نظرة إلى الماضي"، وهو أحد الفعاليات البارزة التي تسلّط الضوء على مجموعة من الأفلام الكلاسيكية التسجيلية والوثائقية التي أثرت في تاريخ السينما التسجيلية.
ويشمل البرنامج أفلامًا بارزة مثل: "حياة جديدة" للمخرج أشرف فهمي، "طبيب في الأرياف" للمخرج خيري بشارة، و"وصية رجل حكيم" للمخرج داود عبد السلام، و"بناء ونضال" للمخرج مذكور ثابت، و"ثورة المكن" للمخرج نبيه لطفي، و"دير سانت كاترين" للمخرج يوسف شاهين، و"عيد الميلاد" للمخرج سعد نديم، و"المصرية في 50 عامًا" للمخرج سعد نديم، و"معابد فيله" للمخرج شادي، و"جنود الشمس" للمخرج شادي، و"الفلاح الفصيح" للمخرج شادي، و"نهاية بارليف" للمخرج ع. تلمساني، و"صلاة" للمخرج نبيه لطفي، و"شارع محمد علي" للمخرج نبيه لطفي، و"ناس 26 يوليو" للمخرج هاشم النحاس، و"يوم في حياة أسرة ريفية" للمخرج هاشم النحاس، و"همس الأناشيد" للمخرج حسام علي، و"الصباح" للمخرج السيد سلاموني، و"نحمد العدو" للمخرج ح. تهامي، و"الرجال والخنادق" للمخرج ف. تهامي.
ويهدف هذا البرنامج إلى إحياء التراث السينمائي وإعادة تقديم أعمال مهمة للجمهور المعاصر، حيث يضم مجموعة من الأفلام التي شكّلت محطات بارزة في تاريخ السينما الوثائقية والتجريبية، سواء على المستوى المحلي أو العالمي.
وتتنوع العروض بين الأفلام التي تناولت قضايا سياسية، واجتماعية، وثقافية، وأخرى قدمت رؤى فنية متفردة أثرت في تطور لغة الفيلم التسجيلي.
وأكدت المخرجة هالة جلال، رئيسة المهرجان، أن برنامج "نظرة إلى الماضي" يعكس الاهتمام بتقديم تجارب سينمائية رائدة للجمهور، مشيرةً إلى أن إعادة عرض هذه الأفلام لا تأتي فقط بدافع الحنين إلى الماضي، لكن أيضًا باعتبارها مرجعًا مهمًا لصناع الأفلام الشباب، الذين يسعون إلى فهم أساليب السرد البصري وتطورها عبر العقود.
وأضافت أن البرنامج يضم أفلامًا لمخرجين مصريين وعالميين تركوا بصمة واضحة في السينما التسجيلية، مؤكدةً أن هذه العروض تمثل فرصة فريدة لمشاهدة أعمال نادرة لم تتح لكثير من المشاهدين من قبل.
كما شهدت العروض ندوات نقاشية وجلسات حوارية بعد عرض الأفلام، بحضور عدد من النقاد، المخرجين، والباحثين في مجال السينما التسجيلية، بهدف تسليط الضوء على الجوانب الفنية والإبداعية لهذه الأعمال والتعرف على تأثيرها في مسيرة السينما الوثائقية.