رصدت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية رحلة العودة المأساوية التي قطعها النازحون الفلسطينيون من جنوب ووسط غزة إلى شمال القطاع، بعد السماح لهم بالمرور من محور نتساريم، الذي يقسم القطاع جنوبًا وشمالًا، بموجب اتفاق إطلاق النار الساري منذ 19 يناير الجاري.
ووافق الاحتلال على فتح ممر نتساريم وسط قطاع غزة، لمرور النازحين العائدين إلى شمال القطاع، بعد نجاح جهود الوساطة في التوصل لاتفاق فرعي بين إسرائيل وحماس، بإطلاق سراح 3 محتجزات، بينهن أربيل يهود، التي اشترط الاحتلال الإفراج عنها مقابل فتح ممر نتساريم، ومن المقرر تنفيذ عملية التسليم الخميس المقبل.
ونشرت حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية، التي تحتجز يهود، مقطع فيديو لها، أمس الاثنين، قالت فيه إنها بخير، وطلبت من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاستمرار في دعم وقف إطلاق النار.
ومع فتح الممر الساعة السابعة صباح أمس الاثنين، تدفق مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة لأول مرة منذ 15 شهرًا. وفي المجمل، عبر 300 ألف فلسطيني معبر نتساريم بعد فتحه، وفقًا لحركة حماس.
وسار النازحون العائدون لساعات من أجل الوصول إلى المنطقة المليئة بالحفر وأكوام الأنقاض، التي كانت ذات يوم المركز الحضري الأكثر ازدحامًا في غزة. وقد اختفت القوات والدبابات الإسرائيلية، وانسحبت إلى مناطق عازلة على أطراف القطاع، وفق ما ذكرت "وول ستريت جورنال".
ورصدت الصحيفة الرحلة المأساوية للعائدين، والعائلات التي تقطع مسافات طويلة على طول طريق ساحلي، حاملة أطفالها أو أكياس الخيش المحشوة بالممتلكات التي فروا بها على عجل، فيما ربط آخرون المراتب على السيارات أو رصوا الخيام المطوية في صناديق الشاحنات، وانتظروا عند نقاط تفتيش حديثة يديرها مجموعة من المتعاقدين الأمنيين الخاصين.
وسار ضياء أسعد (51 عامًا) لمدة ثماني ساعات من النصيرات إلى مدينة غزة على طريق مليء بالحفر برفقة أطفاله الستة ـ مسافة سبعة أميال تقريبًا. وقال أسعد وهو يصف مشهد الدمار في شمال غزة أثناء استراحته ليلًا داخل مستشفى للعيون في مدينة غزة: "لم تكن هناك سيارات ولا خدمات على طول الطريق، ولا حتى المياه".
وأضاف أنه يخطط للعثور على منزله المدمر في جباليا، إحدى المناطق الأكثر تضررًا في غزة، والذي تحول الآن إلى أنقاض، ومع ذلك، فهو قلق بشأن العثور على مأوى؛ فالخيمة التي ينام فيها منذ أشهر كانت ثقيلة للغاية بحيث لا يمكن حملها في الرحلة شمالًا.
وتابع: "ليس لديّ منزل أعود إليه، ولا أقارب كذلك، لقد دُمِّر شمال غزة بالكامل.. بينما أشعر بالارتياح لعودتي إلى مدينة غزة، إلا أنني أشعر بالحزن الشديد".
وعاد إبراهيم رابعة (35 عامًا) إلى جباليا، ليرى ما حدث لمنزله، وقال: "لقد دُمِّر كل شيء في المنطقة". وأضاف أن المبنى الذي كان يسكنه أفراد عائلته الكبيرة تحول إلى أنقاض.
وتوجه ناصر عصام حجو، وهو شاب يبلغ من العمر 19 عامًا، شمالًا لإزالة الأنقاض من منزله في مخيم الشاطئ للاجئين في مدينة غزة وإقامة خيمة قبل أن ينضم إليه والداه، وقال إنه شعر بالإرهاق عند رؤية الهجرة الجماعية، أمس الاثنين، وأضاف أنها يجب أن "تُحفر في التاريخ".
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت أحياء بأكملها، ولم يعد هناك مياه جارية أو كهرباء في معظم أنحاء القطاع، والعديد من الجثث دفنت تحت أنقاض المباني المنهارة.
وفي أجزاء من جباليا، كانت المناظر الطبيعية مليئة بالحطام إلى الحد الذي جعل من الصعب العثور على مكان لإقامة خيمة، حسبما نقلت الصحيفة عن السكان العائدين للشمال.
ولفتت الصحيفة إلى أن حجم الدمار الهائل في القطاع الفلسطيني؛ جراء القصف الإسرائيلي سوف يثقل كاهل الجهود الرامية إلى إعادة البناء، وقالت: "إذا ما تحقق السلام الدائم، فإن التحدي المتمثل في إعادة الإعمار في غزة سوف ينافس أي ساحة معركة في تاريخ الحروب الحديث".
ونقلت الصحيفة عن روبرت بيب، عالم السياسة في جامعة شيكاغو وخبير القصف الجوي: "إن التشابه التاريخي الحقيقي الوحيد هو إعادة بناء ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية".