في عالم الفن، هناك أسماء تظل خالدة مهما مر الزمن، الفنان عماد حمدي أحد تلك الأسماء التي لا يُمكن للذاكرة الفنية أن تغفلها، وبفضل حضوره الطاغي وأدائه العميق، أصبح رمزًا للأصالة والإنسانية في السينما المصرية.
من حي شبرا في القاهرة، حيث نشأ في أسرة متواضعة، إلى أن أصبح نجمًا يتصدر شاشات السينما العربية في الخمسينيات والستينيات، تميز عماد بتنوع أدواره التي تراوحت بين الرومانسية والاجتماعية، ليمثل الهموم والمشاعر الإنسانية بأدق التفاصيل.
في مثل هذا اليوم 28 يناير 1984، فقدت السينما المصرية أحد أبنائها، الذي ترك إرثًا فنيًا خالدًا بفضل موهبته الفذة وأدائه العميق الذي عاش في ذاكرة الأجيال. من سوهاج إلى القاهرة، كانت رحلة عماد حمدي في عالم الفن مليئة بالتحديات والفرص التي شكلت مسيرته، ليصبح أحد أبرز نجوم الشاشة في الخمسينيات والستينيات.
لم تكن بدايته في عالم الفن مألوفة، بل حملت في طياتها تفاصيل من الكفاح والإصرار الذي جعله يتربع على عرش النجومية، ويصبح علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية.
وُلد عماد حمدي في 25 نوفمبر 1909 في محافظة سوهاج، ثم انتقلت أسرته إلى القاهرة بعد أن تم تعيين والده مهندسًا في السكة الحديد. نشأ في حي شبرا، حيث تلقى تعليمه في مدرسة عباس الابتدائية، ثم مدرسة التوفيقية الثانوية.
كان لميوله الفنية ظهور واضح منذ صغره، إذ شارك في جماعة التمثيل المدرسية التي كان يشرف عليها الفنان عبدالوارث عسر في تلك الفترة، ليبدأ اكتشاف قدراته في فن الإلقاء، الذي كان بداية الطريق نحو عالم الفن.
الخطوات الأولى نحو السينما
بعد أن أنهى دراسته في مدرسة التجارة العليا، انضم عماد حمدي إلى فرقة أنصار التمثيل، وبدأ في تطوير موهبته على خشبة المسرح، كما عمل أيضًا في استوديو مصر كمحاسب ومدير إنتاج، حيث كانت تلك المرحلة بمثابة نقطة انطلاق نحو السينما. ومع أول فرصة حقيقية، شارك في أفلام إرشادية حول الأمراض، حتى جاءته المكالمة الحاسمة من المخرج كامل التلمساني الذي رشحه لدور البطولة في فيلم "السوق السوداء"، وهو الدور الذي كان بمثابة بداية لمسيرته السينمائية التي استمرت لعدة عقود.
العصر الذهبي للسينما المصرية
في الخمسينيات والستينيات، أصبح عماد حمدي أحد الأسماء الأكثر حضورًا على شاشات السينما، إذ قدم العديد من الأعمال التي حظيت بشعبية كبيرة وحققت نجاحًا جماهيريًا واسعًا، من خلال تميزه في تجسيد الأدوار الرومانسية، الاجتماعية والإنسانية. من أشهر أفلامه التي أضافت إلى رصيده الفني: "وا إسلاماه"، "السوق السوداء"، "ميرامار"، "ثرثرة فوق النيل"، "خان الخليلي"، "المنزل رقم 13"، و"بين الأطلال". في تلك الفترة، كانت معظم أفلامه من إنتاج كبار المخرجين، وكان هو بطل الشاشة الأول في كثير منها.
الحياة الشخصية
على الرغم من نجوميته اللامعة، كانت حياة عماد حمدي الشخصية مليئة بالتقلبات، إذ تزوج لأول مرة من الفنانة فتحية شريف، التي أنجب منها ابنه نادر في 1949، ثم تزوج الفنانة شادية في عام 1953، لكن الزواج انتهى بالطلاق بعد عدة سنوات. في عام 1960، شارك في فيلم "زوجة من الشارع" مع الفنانة نادية الجندي، وبدأت علاقتهما التي أسفرت عن زواج وإنجاب ابنهما هشام، ولكن هذا الزواج أيضًا لم يدم.
اعتزال التمثيل والعودة من الإمارات
في مرحلة متقدمة من حياته، قرر عماد حمدي الابتعاد عن التمثيل في مصر؛ بسبب تقديمه أدوارًا قصيرة لا تتناسب مع تاريخه الفني، وانتقل إلى الإمارات للمشاركة في بعض الأعمال الفنية، ثم عاد إلى مصر بعد مشاركته في فيلم "ثرثرة فوق النيل"، الذي كان بمثابة نقطة عودة قوية له إلى الساحة الفنية المصرية، وذلك بحسب ما أكده نجله "نادر" في لقاء تلفزيوني سابق.
في حديثه الأخير قبل وفاته في لقاء تلفزيوني نادر، تحدث عماد حمدي عن مسيرته الطويلة التي تجاوزت 400 عمل فني، وقال إن الفن لا يرتبط بشكل دائم بالدراسة الأكاديمية، مُستشهدًا بمثالين من حياته ومسيرة فنانين آخرين، مثل أحمد مظهر وعز الدين ذو الفقار.
كما تطرق في الل إلى واقع السينما في الأربعينيات وأسباب تأثرها بالظروف الاجتماعية والسياسية في تلك الحقبة، حيث أشار إلى أن أفلام تلك الفترة كانت تميل إلى الرومانسية بعيدًا عن العنف والجريمة.
رحل عماد حمدي، لكن أعماله التي قدمها عبر السنين لا تزال حية في ذاكرة السينما المصرية، بفضل شخصياته التي امتازت بالصدق والعاطفة، أصبح عماد حمدي جزءًا من تاريخ الفن المصري، ولا يزال يُذكر كأحد أفضل من قدموا دور الرجل المصري في أفلامه، ليظل اسمه محفورًا في قلوب محبيه وفي تاريخ السينما.