في أول اختبار دستوري كبير لفترة رئاسته الجديدة، وفي خطوة أثارت عاصفة من الجدل القانوني والسياسي في الولايات المتحدة، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا، يسعى من خلاله إلى إلغاء حق المواطنة بالميلاد، وهو حق دستوري راسخ يمنح الجنسية الأمريكية تلقائيًا لكل من يولد على الأراضي الأمريكية، وفي هذا الصدد كشفت صحيفة بوليتيكو الأمريكية عن الجدل الذي أثاره ترامب بإصراره على توقيع هذا الأمر.
معركة قانونية غير مسبوقة
لم يكد يجف حبر توقيع ترامب على الأمر التنفيذي حتى انطلقت معركة قانونية غير مسبوقة، إذ رفعت أول دعوى قضائية ضد القرار في غضون ساعتين فقط من إصداره.
وتفصيلًا، قامت مجموعة من منظمات حقوق المهاجرين برفع دعوى قضائية في المحكمة الفيدرالية في نيوهامبشير، بدعم من تحالف واسع يضم منظمات تمثل المهاجرين الإندونيسيين والمجتمعات اللاتينية، بالإضافة إلى مجموعات تمثل ما يُعرف بـ "الحالمين" "وهم الشباب الذين جلبهم آباؤهم إلى الولايات المتحدة وهم أطفال".
ووقع على الدعوى القضائية 26 محاميًا من كبرى المنظمات الحقوقية في البلاد، بما في ذلك الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية وصندوق الدفاع القانوني والتعليمي للجمعية الوطنية لتقدم الملونين والتجمع القانوني الآسيوي، في تحرك يعكس حجم المعارضة القانونية التي يواجهها القرار.
صراع دستوري عمره 155 عامًا
وتعود جذور هذه المعركة القانونية إلى عام 1868، عندما تم إقرار التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي في أعقاب الحرب الأهلية، بهدف منح المواطنة الأمريكية للأمريكيين السود المحررين من العبودية.
وينص التعديل بوضوح على أن "جميع الأشخاص المولودين أو المتجنسين في الولايات المتحدة، والخاضعين لولايتها القضائية، هم مواطنون في الولايات المتحدة وفي الولاية التي يقيمون فيها."
وقد تعزز هذا الحق بشكل حاسم عام 1898 من خلال قضية "وونج كيم آرك" التاريخية، عندما أكدت المحكمة العليا الأمريكية أن أي شخص يولد على الأراضي الأمريكية له الحق في المواطنة، بغض النظر عن جنسية والديه.
ونقلت بوليتيكو عن المدعي العام لولاية كاليفورنيا، روب بونتا، قوله إن "ترامب لا يمكنه فعل ذلك، لا يمكنه تقويض حق دستوري بسلطة تنفيذية، هذا ليس كيف يعمل القانون." وفي نيويورك، وصفت المدعية العامة ليتيشيا جيمس الأمر التنفيذي بأنه "ليس سوى محاولة لزرع الانقسام والخوف"، متعهدة بمواجهته "بكل قوة القانون للدفاع عن سلامة دستورنا."
تحولات ديموغرافية وخطاب مثير للقلق
وكشف موقع أكسيوس أن قرار ترامب يأتي في سياق أوسع من الجدل حول التغيرات الديموغرافية في المجتمع الأمريكي، إذ أدى حق المواطنة بالميلاد، إلى جانب قانون الهجرة والجنسية لعام 1965، إلى تحولات عرقية وإثنية كبيرة في التركيبة السكانية للولايات المتحدة، فبينما كانت البلاد تضم نحو 85% من البيض في عام 1965، تشير التوقعات إلى أنها ستصبح "أقلية-أغلبية" بحلول أربعينيات القرن الحالي.
وقد أثار ترامب مخاوف واسعة عندما صرح بأن المهاجرين اليوم "يسممون دماء بلادنا"، في لغة تشبه خطاب المتطرفين البيض وتردد صدى عبارات تاريخية مظلمة.
مخاوف إنسانية وتداعيات مُحتملة
وأثار القرار مخاوف جدية حول تداعياته الإنسانية المحتملة، بحسب أكسيوس، إذ حذر خبراء قانونيون من أن تنفيذ الأمر التنفيذي قد يؤدي إلى ظهور فئة من الأطفال عديمي الجنسية، وهو ما قد يخلق أزمة إنسانية وقانونية غير مسبوقة.
كما أن القرار يثير تساؤلات حول مصير الآلاف من الأطفال الذين يولدون سنويًا لآباء مهاجرين في الولايات المتحدة، سواء كانوا مقيمين بشكل قانوني أو غير قانوني.
ويرى مراقبون أن هذه المعركة القانونية ستكون اختبارًا حاسمًا ليس فقط لحدود السلطة التنفيذية في مواجهة الحقوق الدستورية الراسخة، ولكن أيضًا لقدرة المؤسسات الأمريكية على حماية المبادئ الدستورية في مواجهة التحديات السياسية.
وفي حين يؤكد الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية أن "الأمر التنفيذي لا يملك القوة لتجاوز الدستور"، يبدو أن المعركة القانونية والسياسية حول هذا الموضوع ستستمر لفترة طويلة، مع احتمال وصولها في النهاية إلى المحكمة العليا الأمريكية.