في يوم واحد ضربت الأعطال الفنية عددًا من الأنظمة الحكومية في كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا.. لتضع علامة استفهام قوية؛ هل بدأت الحرب السيبرانية بين عمالقة العالم؟.. أو أن المصادفة وحدها وراء توالد هذه الأعطال واحدًا تلو الآخر؟
إعادة أحداث سبتمبر
في حادث لم تره الولايات المتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 توقفت حركة الطيران بصورة تامة فوق الولايات المتحدة.
وتوقفت حركة الطيران في أمريكا بعد خلل ضرب نظام "نوتام" (Notam) الذي ينقل معلومات استشارية عاجلة وضرورية لعمليات الطيران لمدة وصلت لـ120 دقيقة، وعكست تصريحات بعض المسؤولين والطيارين فداحة الحدث بصورة قوية، إذ أكدوا على أوجه الشبه بين ما حدث اليوم، وما حدث في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.
وحذّر مايكل سانتورو، نائب رئيس جمعية الطيارين في ساوث ويست إيرلاينز، من أن "المسافرين سيشعرون بتأثير ضخم" للواقعة.
وقال مسؤول سابق في إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) إن محطة توقف الرحلات على مستوى البلاد هي الأولى من نوعها منذ 11 سبتمبر، وفق ما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
كما قال مايكل ماكورميك، المسؤول السابق بالوكالة، إن وقف الرحلات الجوية الذي فرضته إدارة الطيران الفيدرالية يوم الأربعاء هو الأول من نوعه منذ الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001.
وأضاف ماكورميك، وهو أستاذ في جامعة إمبري ريدل للطيران: "هذا لم يسمع به من قبل، ومن ثمّ فإن الإجراء الذي يتعين على إدارة الطيران الفيدرالية اتخاذه لإيقاف جميع الرحلات الجوية يجعل الأمر أكثر أهمية".
وعلى مدار اليوم، حرصت إدارة الطيران الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية، على إطلاع الشعب الأمريكي، والعالم على تطورات الأزمة التي أصابت البلاد بالشلل، وأعلنت أنه تم إحراز تقدم في استعادة نظام الإشعارات بعد انقطاع الخدمة، وتوقعت استئناف الرحلات المغادرة عند 9 صباحًا بالتوقيت الشرقي لأمريكا، وذلك بعد استئناف رحلات المغادرة من مطاري نيوآرك في نيوجيرسي وأتلانتا في جورجيا.
وأشارت الإدارة، إلى أنه ستؤجل حركة الإقلاع من المطارات حتى التاسعة صباحًا بتوقيت نيويورك، وقد كشفت بيانات ملاحية لمواقع رصد حركة الطيران، أن عدد الرحلات المتأخرة داخل الولايات المتحدة وخارجها نتيجة الأزمة، ارتفع إلى 3704 رحلات، فيما عادت الإشارة إلى احتمالية أن يكون الأمر مدبرًا، وذلك عبر تصريح مسؤول بالقيادة السيبرانية الأمريكية: "إذا كان توقف الطيران بسبب القرصنة فسيكون عملًا حربيًا".
وبعد أكثر من ساعتين من التعطل، أعلنت إدارة الطيران الاتحادي الأمريكية، استئناف الرحلات الجوية بعد خلل في نظام الحواسيب أدى إلى تعليق جميع رحلات الطيران الداخلية، ما سبّب فوضى في المطارات عبر البلاد.
وذكرت إدارة الطيران الاتحادي، أنها تحرز تقدمًا في إصلاح خلل في الحواسيب تسبب في تعليق حركة الطيران الداخلي على مستوى البلاد، قائلة إن الخلل تسبب في تعطيل النظام الذي يقدّم للطيارين والطواقم الأرضية معلومات ضرورية بشأن السلامة وإشعارات بخصوص تعليق الطيران.
من جانبه قال البيت الأبيض إن سبب العطل لم يتضح بعد، كما طالب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وزارة النقل بفتح تحقيق بشأن العطل الذي تسبب بتعطيل حركة الملاحة الجوية الأمريكية منذ الصباح.
من جهة أخرى، نقلت شبكة "سكاي نيوز" البريطانية عن مسؤول في القيادة السيبرانية الأمريكية أوضح أنه في حال ثبوت أن العطل الذي أصاب نظام Notam الطيران "هجومًا سيبرانيًا"، فإنه سيعد "عملًا حربيًا".
وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: "لا نستبق التحقيق، إنما لو كان الفعل قرصنة فإنه يُعد عملًا حربيًا".
تداعيات الأزمة
وفي أول التداعيات الاقتصادية لتلك الأزمة، انخفضت أسهم شركة الطيران الأمريكية "ساوث ويست" نحو 1% في تعاملات اليوم، وتغيرت أسهم شركات الطيران الكبرى الأخرى بشكل طفيف بعد توقف الرحلات الجوية على مستوى البلاد، وفق ما ذكرت شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية.
ومن جهة أخرى تكبدت شركات الطيران الأمريكية مزيدًا من الخسائر، حيث قامت شركات الطيران بتعويض جميع المسافرين، وذلك بعد أن أعلنت أنها تقدم إعفاءات سفر لأي شخص يتأثر بالاضطراب، وذكرت شركات الطيران الأمريكية، أنه سيتم التنازل عن رسوم التغيير وأي فرق في السعر للعملاء الذين يغيرون رحلة طيران مجدولة اليوم إلى رحلة أخرى تابعة للشركة نفسها تغادر في أو قبل 16 يناير، طالما تمت إعادة جدولة السفر في فئة السعر نفسها وبين المدن نفسها.
البريد البريطاني
وبعد الأزمة الأمريكية بساعات، أعلنت هيئة خدمات البريد الملكي في بريطانيا، مواجهة اضطراب شديد في خدمات الإرسال إلى الخارج، بسبب ما قالت إنه "حدث سيبراني".
ودعت هيئة البريد البريطانية الزبائن إلى أن يمتنعوا عن إرسال الأغراض إلى البريد في الوقت الراهن، مشيرة إلى أنها تعمل على حل المشكلة، وفق شبكة "سكاي نيوز" البريطانية.
وأضافت: "بعض الزبائن يواجهون مشكلات إرجاء أو تشويش في شحنات جرى توجيهها إلى الخارج".
وقالت الهيئة الحكومية إنها فتحت تحقيقًا في الحادث، وتعمل مع خبراء خارجيين وتعتذر بصدق لزبائنها عن الانقطاع في الخدمة. لكنها لم توضح ماهية هذا الحدث السيبراني، أو ما إذا كان هجومًا.
كندا تنضم إلى الأحداث
وفي خلال ساعات قليلة من أزمة البريد البريطاني، أعلنت السلطات الكندية، عن عطل تسبب بشل حركة الطيران في الولايات المتحدة خلال الساعات الماضية تكرر في كندا.
وأوضحت هيئة المراقبة الجوية الكندية أن نظام (NOTAM)، الذي يعمل على تحذير الطيارين من المخاطر المحتملة طوال مسار الرحلة شهد انقطاعًا لكن ذلك لم يؤثر على حركة الطيران.
وقالت إنه لم تحدث أي تأخيرات في الرحلات المجدولة.
وفي وقت لاحق، قالت الوكالة الحكومية الكندية إنه جرى استعادة السيطرة على النظام، مشيرة إلى أنها تراقب أنظمتها وتحقق في الحادثة.
ومع توارد الأحداث اليومية بصورة متكررة، قد يشكل الأمر، حال تبين أنه عمل ممنهج أو هجوم سيبراني، أزمة جديدة تواجه الغرب، وخاصة أن أصابع الاتهام قد تتجه نحو روسيا أو حليفتها الصين بصورة قوية، وهو ما يزيد من الأزمات بين الدول المنافسة.