حذّر مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى من أن القوات الأوكرانية معرضة لفقد جميع الأراضي التي سيطرت عليها في منطقة كورسك الروسية خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وأوضحت المصادر الأمريكية، في تصريحات خاصة لوكالة "بلومبيرج"، أن هذا التطور قد يحرم كييف من ورقة تفاوضية مهمة في أي محادثات مستقبلية لوقف إطلاق النار مع موسكو، خاصة في ظل المتغيرات السياسية الأمريكية الجديدة مع فوز دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر الماضي.
تحديات ميدانية
تواجه القوات الأوكرانية تحديات غير مسبوقة على الأرض، إذ تكافح مع نقص حاد في القوى البشرية وتزايد الضغوط العسكرية الروسية.
وكشفت المصادر الأمريكية، التي تحدثت لبلومبيرج شريطة عدم الكشف عن هويتها، عن وجود حوالي 12 ألف جندي من كوريا الشمالية يقاتلون إلى جانب القوات الروسية في منطقة كورسك.
وأضافت المصادر أن الوضع يزداد تعقيدًا مع حالة عدم اليقين المتزايدة بشأن استمرار تدفق الإمدادات العسكرية من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وهو ما يضع القيادة الأوكرانية أمام معضلة استراتيجية صعبة.
وتشير التقديرات الأمريكية إلى أن القوات الأوكرانية قد تتمكن من الصمود حتى فصل الربيع المقبل فقط، قبل أن تضطر إلى الانسحاب من المنطقة لتجنب خطر الحصار والخسائر الفادحة في صفوف قواتها.
مشهد سياسي متغير
ويأتي هذا التطور الميداني في سياق سياسي معقد، خاصة مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر الماضي، والذي أعرب مرارًا عن رغبته في إنهاء الحرب بشكل سريع.
ونقلت بلومبيرج عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رفضه القاطع للمقترحات المتداولة بشأن تجميد الحرب مقابل ضمانات بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو خلال العقدين المقبلين.
ومع تفوق القوات الروسية حاليًا على الأرض، يرى المحللون أن موسكو قد تسعى إلى إطالة أمد المفاوضات لاستعادة المزيد من الأراضي، قبل أي اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار.
وتشير التقديرات الاستخباراتية الأمريكية إلى أن روسيا تحاول استثمار تفوقها الحالي لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الميدانية قبل الدخول في أي مفاوضات جادة.
جنود كوريا الشمالية
في تطورٍ لافتٍ يكشف عن حجم المشاركة العسكرية الكورية الشمالية في الصراع، أعلن جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، عن تكبد القوات الكورية الشمالية خسائر فادحة في معارك كورسك.
وأوضح كيربي أن هذه القوات تنفذ "هجمات جماعية مشاة" ضد المواقع الأوكرانية، ما أدى إلى سقوط أكثر من 1000 قتيل وجريح خلال أسبوع واحد فقط.
وتشير التقديرات الاستخباراتية الأمريكية إلى إمكانية إرسال كوريا الشمالية 8000 جندي إضافي بحلول الربيع المقبل، رغم أن هذا التقييم يحمل درجة منخفضة من الثقة.
وفي الوقت نفسه، تواصل القوات الروسية تكبد خسائر كبيرة تصل إلى حوالي 1200 جندي يوميًا، وهو معدل يصعب الحفاظ عليه دون تعبئة عسكرية جديدة، وهو ما يتجنبه بوتين حتى الآن خشية تكرار ردود الفعل السلبية التي صاحبت حملة التعبئة في سبتمبر 2022.
التداعيات الاستراتيجية
يقدم جورج باروس، رئيس فريق دراسات روسيا والاستخبارات الجغرافية في معهد دراسة الحرب، تحليلًا عميقًا للوضع الراهن، مشيرًا إلى أن الهجوم الأوكراني على كورسك، رغم احتمال خسارته، حقق عدة أهداف استراتيجية مهمة، إذ أثبت أن الحدود الدولية الروسية ليست محصنة بشكل كامل، وأن استخدام المعدات الأمريكية داخل الأراضي الروسية لم يؤد إلى تصعيد كارثي للصراع كما كان متوقعًا.
وفي الوقت نفسه، تواصل القوات الروسية تقدمها في شرق أوكرانيا، متجهة نحو بلدة بوكروفسك، التي تمثل مركزًا لوجستيًا حيويًا للقوات الأوكرانية، ورى المحللون العسكريون أن سقوط هذه المدينة قد يكون مسألة وقت فقط، مما قد يضع القوات الأوكرانية أمام خيارات صعبة للغاية، إما الانسحاب التكتيكي أو مواجهة خطر الحصار والاستنزاف العسكري.