وجه وليام ويبستر، الشخصية الاستخبارية المخضرمة والوحيد الذي تولى رئاسة جهازي FBI وCIA، تحذيرًا شديد اللهجة إلى مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن ترشيحات الرئيس المنتخب دونالد ترامب لقيادة أهم الأجهزة الاستخبارية في البلاد، في خطوة غير مسبوقة تعكس عمق المخاوف من تسييس المؤسسات الأمنية الأمريكية.
وكشفت صحيفة الجارديان البريطانية تفاصيل رسالة ويبستر للكونجرس، و التي حذّر فيها، من المخاطر المحتملة لتولي كل من كاش باتيل وتولسي جابارد مناصب قيادية في المؤسسات الأمنية الأمريكية.
مخاوف تقويض القانون
تكتسب تحذيرات ويبستر، البالغ من العمر 100 عام، أهمية استثنائية نظرًا لخبرته الفريدة في قيادة أهم جهازين استخباريين في الولايات المتحدة، إذ تولى رئاسة FBI في عهد الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر عام 1978، ثم قيادة CIA في عهد الرئيس الجمهوري رونالد ريجان عام 1987.
وفي رسالته المفصلة إلى أعضاء مجلس الشيوخ، شدد ويبستر على ضرورة مراعاة "الأهمية الحاسمة للقيادة غير الحزبية والخبرة" في هذه المناصب الحساسة، مؤكدًا أن "سلامة الشعب الأمريكي وعائلاتهم تعتمد على ذلك".
وركزت انتقادات ويبستر بشكل خاص على ترشيح كاش باتيل لرئاسة FBI، حيث أشار إلى أن ولاءه السياسي المفرط لترامب يمثل تهديدًا محتملًا لنزاهة المؤسسة واستقلاليتها.
ووفقًا لما نقلته الجارديان، فإن تصريحات باتيل العلنية وخططه المثيرة للجدل أثارت مخاوف عميقة في الأوساط الأمنية والسياسية، إذ تعهد الأخير صراحة بملاحقة خصوم ترامب في حال تثبيته في المنصب، كما كشف عن خطط راديكالية تتضمن إغلاق المقر الرئيسي لـ FBI في واشنطن وتحويله إلى متحف لما يطلق عليه "الدولة العميقة"، مع توزيع العملاء في جميع أنحاء البلاد.
قائمة الأعداء
أثار كتاب باتيل "عصابات الحكومة" قلقًا إضافيًا في الأوساط السياسية والأمنية، حيث يتضمن قائمة تضم 60 شخصية بارزة، وصفها النقاد بأنها بمثابة "قائمة أعداء" يمكن استهدافهم تحت إدارة ترامب الجديدة.
وأشار ويبستر في رسالته إلى أن هذا النهج يتعارض مع المبادئ الأساسية لعمل FBI، مؤكدًا أن "سجل باتيل في تنفيذ توجيهات الرئيس يشير إلى ولاء للأفراد بدلًا من سيادة القانون، وهو ما يمثل سابقة خطيرة لوكالة مكلفة بالتنفيذ غير المتحيز للعدالة".
خبرة جابارد
لم تقتصر مخاوف ويبستر على ترشيح باتيل فحسب، بل امتدت لتشمل ترشيح تولسي جابارد لمنصب مدير المخابرات الوطنية، إذ أكد ويبستر افتقار المرشحة الديمقراطية السابقة للرئاسة التي تحولت لاحقًا إلى الحزب الجمهوري، العميق للخبرة الاستخباراتية والمهمة الشاقة المتمثلة في الإشراف على 18 وكالة استخبارات متباينة.
وأضاف أن "الإدارة الفعالة لمجتمع الاستخبارات تتطلب خبرة لا مثيل لها للتنقل في تعقيدات التهديدات العالمية والحفاظ على ثقة الدول الحليفة، وبدون تلك الثقة، تتضاءل قدرتنا بشكل كبير على حماية الأسرار الحساسة والتعاون دوليًا".
تحديات مستقبلية
ويشير خبراء أمنيون، إلى أن هذه التعيينات، إذا تمت الموافقة عليها، قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في عمل المؤسسات الاستخبارية الأمريكية وعلاقاتها مع أجهزة الاستخبارات الدولية، بحسب "الجارديان".
ويعد ويبستر واحدًا من بين 100 مسؤول جمهوري سابق في مجالي الأمن القومي والسياسة الخارجية وقعوا رسالة تأييد لمنافسة ترامب الديمقراطية، كامالا هاريس، قبل الانتخابات، ما يعكس عمق المخاوف داخل المؤسسة الأمنية الأمريكية من التوجهات الجديدة.
وتتجه الأنظار الآن إلى جلسات التثبيت المرتقبة في مجلس الشيوخ، حيث سيكون للمشرعين القول الفصل في مصير هذه الترشيحات.
ويرى مراقبون أن هذه الجلسات ستكون بمثابة اختبار حاسم لمدى قدرة المؤسسات التشريعية الأمريكية على الموازنة بين متطلبات الأمن القومي والضغوط السياسية، في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات أمنية واستخبارية غير مسبوقة على المستويين الداخلي والخارجي.