في مشهد سياسي مثير يلفت الأنظار عالميًا، تواجه ألمانيا، صاحبة الاقتصاد الأكبر في أوروبا، انتخابات مبكرة العام المقبل بعد فقدان المستشار أولاف شولتس تصويت الثقة في مجلس النواب الألماني الاتحادي (البوندستاج).
هذا السقوط السياسي يعكس نزاعات داخلية عميقة في الحكومة الائتلافية، إلى جانب تراجع اقتصادي يقود إلى جدل واسع حول مستقبل القيادة الألمانية في ظل تصاعد قوة الأحزاب اليمينية، تقرير شبكة "سي إن إن" يضع الضوء على تفاصيل الأزمة وتداعياتها.
انهيار الحكومة
خسر المستشار أولاف شولتس تصويت الثقة في البرلمان الألماني بعد نزاع طويل الأمد حول الميزانية، إذ حصل شولتس على دعم 207 أعضاء فقط، بينما صوّت 394 ضده، مع امتناع 116 عن التصويت. هذه النتيجة لم تكن مفاجئة، إذ وصفها شولتس نفسه بأنها خطوة نحو تأمين انتخابات وطنية مبكرة للخروج من مأزق الائتلاف الهش الذي حكم البلاد منذ نوفمبر 2021.
الحكومة الائتلافية التي قادها شولتس، والمكونة من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وحزب الخضر، والديمقراطيين الأحرار، عانت من اضطرابات مستمرة. ويبدو أن الانتخابات المقبلة ستعيد رسم الخريطة السياسية، مع توقعات بتصدر الاتحاد الديمقراطي المسيحي (الاتحاد الاجتماعي المسيحي) بقيادة فريدريش ميرز.
سباق المستشارية
مع استعداد ألمانيا للانتخابات، برزت سبعة أحزاب رئيسية كقوى متنافسة، ورغم أن أربعة منها أعلنت عن مرشحيها لمنصب المستشار، فإن التوقعات تشير إلى تقدم واضح لفريدريش ميرز، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي، ليكون خليفة محتملًا لشولتس.
الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي: بقيادة ميرز، الذي يُعرف بمواقفه المحافظة وسياساته الاقتصادية المتشددة.
الحزب الديمقراطي الاجتماعي: يواجه تحديًا كبيرًا لإعادة كسب ثقة الناخبين تحت قيادة شولتس، الذي فقد شعبيته.
حزب البديل من أجل ألمانيا: الحزب اليميني الشعبوي بقيادة أليس فايدل يكتسب زخمًا، مع سياسات معادية للهجرة تستهوي الناخبين الساخطين.
حزب الخضر: بقيادة روبرت هابيك، يركز على سياسات البيئة والاقتصاد، لكنه يفتقر إلى القوة اللازمة للتفوق في السباق.
تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي بنسبة تأييد تبلغ 32%، بينما يحل البديل من أجل ألمانيا ثانيًا بنسبة 18%، يليه الحزب الديمقراطي الاجتماعي بنسبة 16%، والخضر بنسبة 14%.
قضايا حاسمة في الانتخابات
يتصدر الاقتصاد أجندة الانتخابات المقبلة، خاصة مع توقع البنك المركزي الألماني ركودًا اقتصاديًا خلال الشتاء المقبل وتباطؤًا في التعافي حتى عام 2025. وتعاني قطاعات حيوية، مثل صناعة السيارات، من تحديات هيكلية دفعت شركات كبرى، مثل فولكس فاجن، إلى تسريح العمال وإغلاق مصانع.
من جهة أخرى، تمثل الهجرة قضية شديدة الحساسية. حيث يسعى حزب البديل من أجل ألمانيا إلى استثمار حالة السخط العام بشأن سياسات الهجرة السابقة. أما شولتس، فقد حاول كسب ود الناخبين من خلال تعزيز عمليات التفتيش على الحدود مع الدول الأوروبية المجاورة.
فريدريش ميرز
يبرز فريدريش ميرز، السياسي المخضرم، كأمل المحافظين في إعادة تشكيل القيادة الألمانية. بعد مسيرة طويلة تضمنت عضوية البرلمان الأوروبي والبوندستاغ، وعملًا في القطاع الخاص، عاد "ميرز" بقوة إلى الساحة السياسية في 2021 ليصبح رئيسًا لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في 2022.
"ميرز" يُعرف بميوله الاقتصادية الصارمة ومواقفه المحافظة بشأن الهجرة، وحرصه على الابتعاد عن سياسات أنجيلا ميركل الوسطية. كما يُعد داعمًا قويًا لأوكرانيا في مواجهة روسيا، مؤكدًا على ضرورة تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لكييف.
مَن سيحكم ألمانيا؟
من غير المتوقع أن يحصل أي حزب على أغلبية مطلقة في البرلمان المكون من 630 مقعدًا. لذا، ستكون تشكيل التحالفات أمرًا حاسمًا.
الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي قد ينظر إلى الحزب الديمقراطي الحر أو حزب الخضر كشركاء محتملين.
حزب البديل من أجل ألمانيا، رغم شعبيته المتزايدة، قد يظل خارج التحالفات بسبب سياساته المثيرة للجدل.
وفي كل الأحوال، تشير التوقعات إلى صعوبات في تشكيل حكومة مستقرة، فمع سقوط شولتس وخوض انتخابات مبكرة، تواجه ألمانيا تحديًا غير مسبوق في الحفاظ على استقرارها السياسي والاقتصادي.
ويضع صعود الأحزاب اليمينية ومخاوف الركود الاقتصادي البلاد على مفترق طرق تاريخي. بينما يستعد فريدريش ميرز للصعود إلى السلطة، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن ألمانيا من استعادة توازنها في ظل هذه التغيرات الجذرية؟