نشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية خريطة لما وصفتها بجبهات الحرب العالمية الثالثة، ومناطق المواجهة العسكرية الواسعة المحتملة بين روسيا ودول أوروبا الأعضاء في حلف شمال الأطلسي "ناتو".
واستشهدت المجلة بتصريحات وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، خلال مقابلة صحفية في يونيو، حين قال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "قد يهاجم دولة عضوًا في حلف شمال الأطلسي"، كما طالب أمام البرلمان الألماني بالاستعداد للحرب بحلول عام 2029.
كما أوردت المجلة ما قاله رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني برونو كال، في نوفمبر، بشأن أن موسكو "تستعد لحرب مع الغرب".
وقالت المجلة إنَّ روسيا وصفت بالفعل حربها مع أوكرانيا بأنها "حرب بالوكالة" بين موسكو وحلف شمال الأطلسي، ومع ذلك، بموجب المادة الخامسة من ميثاق الحلف "أي ضربة على أحد الأعضاء فقط من شأنها أن تؤدي إلى رد فعل جماعي، حتى لو اختبرت الهجمات الهجينة هذا التعريف".
ونقلت المجلة عن ويليام موك، أستاذ العلوم السياسية في كلية نورث سنترال: "ليس هناك شك في أن بوتين سيواصل السعي بقوة لتحقيق مصالحه في أوروبا، وأوروبا الشرقية على وجه الخصوص".
وأضاف: "إذا كان هناك عامل تحفيزي واحد لبوتين على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، فهو توسع حلف شمال الأطلسي، وسوف يسعى إلى استغلال أي صدع لتعزيز النفوذ الروسي في جميع أنحاء المنطقة".
الجناح الشمالي الشرقي للناتو
وإضافة إلى برلين، فإن الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي والدول المنضمة إليه حديثا هي الأكثر صراحة في التعبير عن مخاوفها بشأن طموحات بوتين الإمبريالية المحتملة خارج أوكرانيا، وفق "نيوزويك".
وقال وزير الدفاع المدني السويدي كارل أوسكار بوهلين، إن "الحرب قد تأتي إلى السويد" في اليوم نفسه الذي دعا فيه القائد العام للبلاد ميكائيل بايدن، السويديين لـ"إعداد أنفسهم عقليًا" للصراع.
وكما تُظهِر إحدى خرائط نيوزويك، فإن الجناح الشمالي الشرقي لحلف شمال الأطلسي، الذي يشمل الحدود الممتدة لنحو 830 ميلًا مع فنلندا المجاورة، قد يكون جبهة محتملة، واتهمت الدولة الاسكندنافية التي انضمت إلى الحلف في عام 2023 موسكو بالفعل بتأجيج أزمة المهاجرين على حدودها.
وذكر الفريق يورجن جواكيم فون ساندرارت، الرئيس السابق لفيلق القوات المتعددة الجنسيات التابع لحلف شمال الأطلسي في الشمال الشرقي لـ"نيوزويك" -في وقت سابق- أن موسكو لديها "خيارات متعددة" لاختبار تماسك التحالف، بما في ذلك "الاستيلاء على أراضٍ محدودة".
دول البلطيق
وقال "موك": "فيما نفكر في نقاط الاشتعال المحتملة في المستقبل، فإن دول البلطيق تشكل حالة اختبار مهمة لقوة الردع التي يتمتع بها حلف شمال الأطلسي.. في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، يعيش عدد كبير من السكان الروس، وهو ما يشكل عادة عامل تحفيز مهم لتدخل بوتين".
في فبراير، قالت هيئة الاستخبارات الخارجية الإستونية، إن "حلف شمال الأطلسي قد يواجه جيشًا ضخمًا على غرار الجيش السوفييتي في العقد المقبل، إذا ما أصلحت موسكو جيشها"، وفي الوقت نفسه، تم تركيب أهرامات خرسانية مضادة للدبابات في ليتوانيا المجاورة، والتي تعرف باسم "أسنان التنين".
كالينينجراد وممر سووالكي
ويعد موقعهما بالقرب من جيب كالينينجراد الروسي ذا أهمية استراتيجية باعتباره خط مواجهة محتمل في أي صراع بين موسكو والتحالف.
وتسلط خريطة "نيوزويك" الضوء على أن ممر سووالكي، المعروف أيضًا باسم فجوة سووالكي، يمكن أن يكون نقطة الاتصال الأولى لأي تحرك من جانب موسكو بشأن حلف شمال الأطلسي، لأنه يفصل جيب كالينينجراد الروسي على بحر البلطيق عن بيلاروسيا.
كما أن الممر يستضيف آلاف القوات الروسية والطائرات المقاتلة المتطورة والأسلحة النووية، وهي الطريق البري أو السكك الحديدية الوحيد الذي يربط بولندا وأوروبا الوسطى بدول البلطيق.
وتجاه هذا التهديد، وقعت إستونيا ولاتفيا، اللتان تشتركان في حدود مع روسيا، اتفاقية مع ليتوانيا في يناير لتعزيز الحدود البرية مع روسيا وبيلاروسيا كجزء من خط الدفاع البلطيقي.
وفي الوقت نفسه، تم افتتاح مركز قوة المهام القيادية في بحر البلطيق في مدينة روستوك الساحلية الألمانية، الشهر الماضي، لتعزيز إشراف الحلف على بحر البلطيق.
مولدوفا وأوكرانيا
وأضاف "موك": "في حين أعربت الدول المجاورة لروسيا عن قلقها المتزايد بحق، فمن المرجح أن يظل بوتين رادعًا بسبب حلف شمال الأطلسي، ويركز مغامراته العسكرية على الدول غير الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ذات السكان الروس الكبار، مثل مولدوفا وأوكرانيا".
اتهمت رئيسة مولدوفا مايا ساندو، موسكو بالتدخل الروسي في الانتخابات وأعربت عن مخاوفها بشأن تأثير موسكو على الجمهورية السوفييتية السابقة، التي تعد منطقة ترانسنيستريا المنشقة جزءًا منها.
وبعد وقت قصير من بدء الحرب في أوكرانيا، قال القائد الروسي رستم مينيكاييف في أبريل 2022، إن موسكو تريد إنشاء ممر عبر جنوب أوكرانيا إلى ترانسنيستريا، وهي المنطقة التي تظهرها خريطة "نيوزويك". وأثار ذلك تساؤلات حول كيفية ملاءمة الجيب الانفصالي، الذي يستضيف وجودًا عسكريًا روسيًا، لخطط بوتين.
جورجيا وصربيا
وقد تكون أجزاء أخرى من أوروبا معرضة للخطر أيضًا، وكما ذكرت "نيوزويك" في وقت سابق، قال مارك مونتجومري، وهو أميرال بحري أمريكي متقاعد، إنَّ نفوذ روسيا في الصراعات الأصغر حجمًا في جورجيا وصربيا قد يتصاعد أكثر.
وقال "مونتجومري" إن بوتين "يدفع الحدود مع صربيا.. والبوسنيين وجمهورية صرب البوسنة (الجزء الصربي من البوسنة)"، كما ضغط بقوة على جورجيا، الجمهورية السوفييتية السابقة التي تمزقها الاحتجاجات ضد ائتلاف الحلم الجورجي الحاكم الذي يسعى إلى علاقات أوثق مع موسكو.
جنوب القوقاز
وتُظهِر خريطة نيوزويك أيضًا هذا التعقيد المحتمل بالنسبة لتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، والتي تحد جمهورية جنوب القوقاز، التي خاضت حربًا قصيرة مع روسيا في عام 2008، وأدت هذه الحرب إلى إعلان استقلال منطقة أبخازيا المنشقة، التي واجهت احتجاجات على التشريعات المؤيدة لموسكو.
وقال "موك": "إذا استطاع حلف شمال الأطلسي أن يظل موحدًا على الرغم من الجهود التي تبذلها روسيا لتعزيز الفوضى والانقسام، فإن ذلك من شأنه أن يقلل بشكل كبير من فرص توسيع بوتين حربه إلى ما هو أبعد من أوكرانيا".