في ظلال الكارثة الإنسانية التي تتسع رقعتها في سوريا، يبرز الجوع كأحد أكثر المآسي إيلامًا، وهو ليس فقط نتيجة الحرب، بل نتاج عوامل مركبة تضاعف أوجاع المدنيين.
فعلى مدار أكثر من عقد، لم يقتصر الصراع على تدمير البنية التحتية والاقتصاد، بل اخترق أساسيات الحياة، مهددًا ملايين الأرواح بالجوع والحرمان، وفي تقرير لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، يستعرض بشكل تفصيلي كيف تسببت الحرب الأهلية والتغيرات العالمية في تكريس مأساة الجوع في سوريا.
بدايات الحرب
اندلعت الحرب الأهلية السورية في عام 2011 وسط أزمات اجتماعية واقتصادية خانقة، وسبقتها موجة من الجفاف الشديد بين عامي 2006 و2011، ما دفع المزارعين إلى ترك أراضيهم والبحث عن مصادر رزق في المدن.
وجاءت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية متأثرة برياح "الربيع العربي"، وبدأت من درعا الجنوبية، لتتطور سريعًا إلى نزاع بين المعارضة والحكومة.
تصعيد وأزمات متتالية
شهدت الحرب السورية تصاعدًا غير مسبوق في الأحداث، بدءًا من موجات الجفاف في 2021 التي دمرت الزراعة وأثقلت كاهل الأسر، وصولًا إلى الحرب الأوكرانية التي زادت أسعار الغذاء والوقود، ما عمَّق معاناة السوريين.
وفي عام 2023، جاءت الزلازل المدمرة على طول الحدود السورية التركية لتقتل الآلاف وتزيد من أعداد النازحين، كما ساهمت الأزمة اللبنانية في سبتمبر 2024 في تدفق اللاجئين من لبنان إلى سوريا، ما زاد الضغط على موارد البلاد الهشَّة.
تأثيرات مباشرة
وفق التقرير الأممي، تسبب الصراع في نزوح أكثر من 13 مليون سوري عبر الحدود وداخل البلاد، ويعاني النازحون من انعدام الموارد الأساسية، ما يزيد من تفاقم أزمة الجوع التي تحولت إلى كارثة إنسانية.
وقبل الحرب، كان ثلث سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، أما اليوم، فإن أكثر من 90% يعيشون بأقل من 2.15 دولار يوميًا. كما أنَّ ارتفاع تكاليف المعيشة وتدمير البنية الاقتصادية جعل الحياة أكثر قسوة، حيث تضاعفت معدلات الفقر والجوع.
أيضًا كان تعطل الإنتاج الزراعي وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني سببًا في ترك ملايين السوريين يعانون من نقص حاد في الغذاء،
ويكافح نحو 13 مليون شخص اليوم للبقاء على قيد الحياة في ظل جوع شديد.
برنامج الغذاء العالمي
يواصل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة عمله منذ عقود في سوريا، حيث يدير واحدة من أكبر العمليات الإنسانية في البلاد، وتشمل أنشطته، توفير الغذاء للأسر الأكثر ضعفًا، ويقدم مساعدات غذائية متخصصة لنحو 300 ألف طفل رضيع وامرأة حامل وأم.
كما يوفر يوفر البرنامج وجبات مغذية لنحو 460 ألف طفل، ما يسهم في تحسين التغذية واستمرارية التعليم، كما يوزع الغذاء والمواد الأساسية على الملايين من النازحين، وخاصة المتضررين من الكوارث الطبيعية والصراعات المستمرة.
تظل سوريا نموذجًا مأساويًا لمعاناة المدنيين في الحروب الأهلية، حيث تتشابك الصراعات المسلحة مع الأزمات المناخية والاقتصادية العالمية لتخلق دوامة لا تنتهي من الجوع والفقر.
وبينما تواصل المنظمات الإنسانية جهودها لتخفيف العبء عن كاهل السوريين، فإن الحاجة إلى حلول سياسية وإنسانية مستدامة باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.