في قرار وصف بأنه الأوسع نطاقًا منذ عفو الرئيس جيرالد فورد عن ريتشارد نيكسون عام 1974، في أعقاب فضيحة ووترجيت عام 1974، أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن عفوًا رئاسيًا كاملًا عن ابنه هانتر، مثيرًا موجة من الانتقادات داخل الحزب الديمقراطي وخارجه، إذ يأتي هذا القرار في أعقاب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، وقبل أسابيع معدودة من موعد تسليم السلطة للرئيس المنتخب الذي تعهد باستخدام وزارة العدل للانتقام من خصومه السياسيين.
لحظة اتخاذ القرار المصيري
كشفت صحيفة نيويورك تايمز تفاصيل مثيرة عن الأيام الأخيرة التي سبقت إعلان العفو، إذ قضى بايدن عطلة عيد الشكر في منتجع بولاية ماساتشوستس، محاطًا بعائلته.
وداخل المجمع المطل على ميناء نانتاكت، عقد الرئيس اجتماعًا حاسمًا مع زوجته جيل وابنه هانتر لمناقشة قرار ظل يؤرقه لشهور.
في مساء السبت، وبعد حضور القداس مع عائلته تحت سماء نانتاكت المظلمة، عاد بايدن إلى واشنطن ليعقد مكالمة مع كبار مساعديه، معلنًا قراره النهائي بكلمات موجزة: "حان وقت إنهاء كل هذا".
أشارت نيويورك تايمز إلى أن القرار لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة ضغوط متراكمة وعوامل متشابكة، فمنذ إدانة هانتر بتهم حيازة السلاح في يونيو الماضي، بدأ الرئيس يفكر جديًا في إمكانية العفو، رغم تصريحاته المتكررة بعدم التدخل في نظام قضائي أدان ابنه.
ومع مرور الأشهر، ازداد مزاج الرئيس قتامة، خاصة مع تتابع الأحداث الصعبة، بعد انسحابه من السباق الرئاسي في يوليو، إقرار هانتر بالذنب في قضايا ضريبية في سبتمبر، وأخيرًا خسارة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.
معركة الأب والرئيس
تكشف القصة عن صراع عميق داخل شخصية بايدن بين دوريه كأب وكرئيس، إذ أفادت صحيفة التلجراف البريطانية بأن قرار العفو أثار انتقادات حادة من قيادات ديمقراطية بارزة رأت فيه تغليبًا للمصلحة العائلية على المصلحة الوطنية.
وفي هذا السياق، صرح جاريد بوليس، الحاكم الديمقراطي لولاية كولورادو: "بينما أتفهم كأب رغبته الطبيعية في مساعدة ابنه من خلال العفو عنه، أشعر بخيبة أمل؛ لأنه قدم عائلته على البلاد".
وأضاف: "هذه سابقة سيئة يمكن أن تستغل من قبل رؤساء لاحقين وستلقي للأسف بظلالها على سمعته. لا أحد فوق القانون".
وفي موقف مماثل، قال جريج ستانتون، النائب الديمقراطي عن ولاية أريزونا: "أحترم الرئيس بايدن، لكنني أعتقد أنه أخطأ في هذا القرار، لم تكن هذه ملاحقة قضائية ذات دوافع سياسية، ارتكب هانتر جنايات، وأدانته هيئة محلفين من أقرانه".
فيما علق جريج لاندسمان، النائب الديمقراطي عن ولاية أوهايو: "كأب، أتفهم الأمر. لكن كشخص يريد أن يؤمن الناس بالخدمة العامة مرة أخرى، إنها خطوة للوراء.
ونقلت الصحيفة البريطانية مخاوف المشرعين الديمقراطيين من أن هذا القرار قد يصعب عليهم مستقبلًا الاعتراض على أي قرارات عفو يصدرها ترامب، خاصة مع تعهده بالعفو عن المتورطين في أحداث اقتحام مبنى الكابيتول.
وأفردت التليجراف مساحة واسعة لتداعيات القرار على الساحة السياسية الأمريكية، مشيرة إلى أن جماعات متحالفة مع ترامب أطلقت بالفعل حملة لجمع التبرعات بعد قرار الرئيس، واصفة إياه بأنه "صفقة القرن المفضلة". كما نقلت عن جيفري ريد، أحد المتهمين في أحداث 6 يناير، استشهاده بعفو بايدن في مذكرة قانونية قدمها.
مخاوف وتداعيات
بحسب نيويورك تايمز، كان أحد الدوافع الرئيسية وراء توقيت العفو هو قلق بايدن العميق من احتمال انتكاس ابنه وعودته للإدمان تحت ضغط المحاكمات، خاصة أن هانتر حافظ على نجاحه في التعافي لمدة خمس سنوات ونصف السنة، رغم الهجمات المتواصلة والملاحقات القضائية التي يصفها الرئيس بأنها انتقائية.
هذا القلق تفاقم مع اقتراب موعد النطق بالحكم في قضايا السلاح والضرائب الفيدرالية المقررة في ديسمبر الجاري.
لكن المخاوف لم تقتصر على الجانب الشخصي، إذ كشفت الصحيفة الأمريكية أن بايدن راقب بقلق تصريحات ترامب حول تعيين شخصيات موالية له في إدارته القادمة، من بينهم بام بوندي، المحامية الموالية من فلوريدا، كمرشحة لمنصب وزير العدل بعد رفض مجلس الشيوخ تعيين مات جايتز، وكاش باتيل لرئاسة مكتب التحقيقات الفيدرالي.
هذه التعيينات المرتقبة، مقترنة بتعهدات ترامب باستخدام وزارة العدل للانتقام من خصومه السياسيين، زادت من إلحاح اتخاذ قرار العفو.
موقف البيت الأبيض والدفاع عن القرار
في محاولة للدفاع عن القرار، أكدت كارين جان-بيير، المتحدثة باسم البيت الأبيض، أن الرئيس "صارع" مع هذا القرار لكنه اعتقد أن "كفى يعني كفى" بعد سنوات من المشاكل القانونية لابنه.
وأضافت خلال حديثها للصحفيين على متن طائرة الرئاسة المتجهة إلى أنجولا: "اتخذ الرئيس هذا الإجراء بسبب مدى تسييس هذه القضايا وما حاول خصومه السياسيون فعله".
من جانبها، لم تتردد جيل بايدن، السيدة الأولى، في إعلان دعمها الكامل للقرار، فعندما سُئلت عن العفو خلال حفل لعائلات الحرس الوطني يوم الاثنين، أجابت بحزم: "بالطبع أدعم العفو عن ابني".
وقد كانت السيدة الأولى إلى جانب هانتر خلال محاكمته في محكمة ديلاوير خلال الصيف الماضي، وكانت داعمة لقرار العفو عن الرجل الذي ربته منذ طفولته والذي تحدى إدمانه وأضر بعائلتهم.
أبعاد قانونية وسياسية
يتميز العفو الذي أصدره بايدن بأنه من أوسع قرارات العفو في التاريخ الأمريكي، إذ يشمل "عفوًا كاملًا وغير مشروط" عن أي جرائم ارتكبها أو قد يكون ارتكبها هانتر خلال السنوات العشر الماضية.
ويغطي العفو إدانته في يونيو بتهم حيازة السلاح عندما كان مدمنًا للمخدرات في 2018، وإقراره بالذنب في تسع تهم ضريبية فيدرالية، بما في ذلك تزوير سجلات والفشل في تقديم إقرارات ضريبية خلال فترة تعاطيه المخدرات.
وفي تطور لافت، يرى بعض المحامين أن العفو قد يجبر هانتر على التحدث علنًا أمام الكونجرس عن عمله في مجلس إدارة شركة الطاقة الأوكرانية، حيث لن يتمكن من استخدام التعديل الخامس للدستور لعدم تجريم نفسه في أي جلسة استماع مستقبلية، لأنه حصل بالفعل على عفو عن الفترة المعنية.