في الوقت الذي يستعد فيه دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تواجه كندا تحديًا غير مسبوق يهدد اقتصادها وعلاقاتها التجارية مع جارتها الجنوبية.
وكشفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن كواليس الأزمة المرتقبة وتداعياتها على مستقبل أكبر شراكة تجارية في العالم.
اقتصاد على المحك
في تطور مفاجئ هزَّ الأوساط السياسية والاقتصادية في كندا، أطلق الرئيس الأمريكي المنتخب (ترامب) تهديدًا صريحًا عبر منصته "تروث سوشيال"، في 25 نوفمبر، معلنًا عزمه فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع السلع الكندية المتجهة إلى السوق الأمريكية في أول يوم من توليه منصبه.
هذا التهديد، الذي يأتي في إطار حملته للتصدي للهجرة غير الشرعية وتدفق مخدر الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، تسبب في هبوط حاد للدولار الكندي إلى أدنى مستوياته منذ سنوات، فيما حذر خبراء اقتصاديون من أن تطبيق هذه التعريفات قد يدفع البلاد نحو ركود اقتصادي عميق، مما يهدد ملايين الوظائف في القطاعات التصديرية الرئيسية.
تفاقم أزمة ترودو
ويواجه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو وضعًا سياسيًا معقداً، وأشارت "بوليتيكو" إلى تراجع حاد في شعبيته خلال الـ18 شهرًا الماضية.
وتفاقمت أزمته السياسية الشهر الماضي عندما واجه تمردًا داخل حزبه، حين طالبه العشرات من النواب بالاستقالة، مؤكدين أن الشعب الكندي لم يعد يستمع إليه.
ويلقي الكنديون باللوم على سياسات حكومته في ارتفاع أسعار الغذاء والإيجارات، وأزمة الإسكان الوطنية، وسياسات الهجرة التي اعترف ترودو نفسه مؤخرًا بأنها كانت خطأً.
وتتزامن هذه التحديات الداخلية مع ضرورة إثبات قدرته على التعامل مع إدارة ترامب الجديدة، معتمدًا على تجربته السابقة في التفاوض معه خلال فترة رئاسته الأولى، إذ نجح في إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا).
وتتعامل الحكومة الكندية مع تهديدات ترامب بحذر شديد، ولفتت "بوليتيكو" إلى تحركات حكومية على عدة مستويات، إذ نجح ترودو في إجراء اتصال هاتفي مع ترامب بعد ساعات من تهديده، في خطوة تعكس قدرته على فتح قنوات اتصال مباشرة مع الرئيس المنتخب.
وأكد ترودو عقب المكالمة أنَّ بلاده قادرة على التعامل مع الموقف، مشددًا على أهمية "عرض الحقائق والتحرك بطرق بناءة."
وفي سياق متصل، كشف وزير السلامة العامة دومينيك لوبلان عن خطة شاملة لتعزيز أمن الحدود، تتضمن تزويد قوات الشرطة الوطنية وخدمات الحدود بتقنيات متطورة وطائرات مسيرة ومروحيات.
كما أشار وزير الهجرة مارك ميلر إلى أن أوتاوا تدرس إجراءات حدودية إضافية، مع التأكيد على أن تدفق المهاجرين من كندا إلى الولايات المتحدة لا يتجاوز ما تشهده الحدود المكسيكية في نهاية أسبوع واحد.
انقسام داخلي
وكشفت "بوليتيكو" عن انقسام حاد في المواقف بين قادة المقاطعات الكندية، فبينما اتخذ بعضهم مواقف داعمة لترامب، برز دوج فورد، رئيس وزراء أونتاريو، كصوت مؤثر في العلاقات الثنائية.
ودعا "فورد" إلى عقد اجتماع طارئ بين رؤساء المقاطعات الـ13 ورئيس الوزراء، منتقدًا بطء استجابة الحكومة الفيدرالية.
وفي ألبرتا، أكبر التي تعد أكبر مقاطعة مصدرة للنفط، وصفت رئيسة الوزراء دانييل سميث شكاوى الرئيس المنتخب بأنها "صحيحة"، في موقف يعكس تحديات ترودو في توحيد الموقف الكندي.
يضاف إلى هذا المشهد المعقد موقف زعيم المعارضة المحافظ بيير بوليفر، الذي تشير استطلاعات الرأي إلى احتمال توليه منصب رئيس الوزراء في الانتخابات المقبلة.
واستغل بوليفر الأزمة للتأكيد على قدرته على حماية مصالح العمال الكنديين وأمن البلاد، متعهدًا بالحفاظ على "أنجح علاقة تجارية شهدها العالم".