تشهد العاصمة الفرنسية، اليوم الاثنين، لقاءً حاسمًا في مقر رئاسة الوزراء "ماتينيون"، يجمع رئيس الوزراء ميشيل باريني وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، لمناقشة مشروع الميزانية المتعثر وسط أزمة سياسية واقتصادية متصاعدة.
في هذا الصدد، كشفت صحيفة "ليزيكو" الفرنسية، أن هذا اللقاء يعد "الفرصة الأخيرة" لإنقاذ الحكومة من تصويت حجب الثقة، خاصة بعدما أظهرت استطلاعات الرأي التي نشرتها "لا تريبيون ديمانش" أن 53% من الفرنسيين يؤيدون إقالة بارينييه من منصبه.
معركة البقاء
في خضم الأزمات المتلاحقة التي تعصف بفرنسا، يجد بارنييه، المفاوض السابق للبريكست والبالغ من العمر 73 عامًا، نفسه في مواجهة تحديات غير مسبوقة، إذ إن الرجل الذي عُرف بلقب "السافواري" نسبة إلى منطقته الألبية، يواجه عدة تحديات محلية.
وحذّر بارنييه في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الفرنسية من خطورة الوضع، قائلًا: "إذا لم نتحرك، فإن بلادنا ستكون على حافة الهاوية".
وفي سياق مجابهته للأزمة، كشف "بارنييه" عن خطة طموحة لتوفير 60 مليار يورو، تأتي من خفض الإنفاق بقيمة 40 مليار يورو في الحكومة المركزية والمحلية، بجانب فرض ضرائب جديدة بقيمة 20 مليار يورو على الشركات والأثرياء.
وتتفاقم الأزمة مع ارتفاع عجز الميزانية الفرنسية إلى مستويات قياسية، ومن المتوقع أن يصل 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، وهو أعلى معدل في منطقة اليورو بعد رومانيا.
واضطر بارنييه، بعد فشل محاولتين لتمرير مشروع الميزانية في الجمعية الوطنية، إلى التلويح باستخدام المادة 49.3 من الدستور لتمرير مشروع القانون دون تصويت، وهو ما قد يفتح الباب أمام تصويت بحجب الثقة.
معادلة سياسية معقدة
وفي هذا السياق المتوتر، تلعب مارين لوبان دورًا محوريًا في تحديد مصير حكومة بارنييه، إذ حذّرت زعيمة "التجمع الوطني" في تصريحات لإذاعة RTL الفرنسية من أن حزبها لن يقبل بالمساس بالقدرة الشرائية للفرنسيين، معتبرة ذلك "خطًا أحمر" قد يؤدي تجاوزه إلى تصويت بحجب الثقة عن الحكومة.
ويطالب حزبها بخفض ضريبة القيمة المضافة على الطاقة والمنتجات الأساسية، وإعادة 15 مليار يورو من القدرة الشرائية للفرنسيين، مع زيادة الرواتب بنسبة 10% معفاة من المساهمات الاجتماعية.
ووفقًا لصحيفة "ليزيكو" الفرنسية، فإن لوبان تسعى للحصول على مكاسب ملموسة في الميزانية، خاصة فيما يتعلق برفع الضريبة على الكهرباء، التي من المتوقع أن توفر 3 مليارات يورو من الاقتصادات هذا العام.
ويعارض حزبها أي عودة للضغط الضريبي على الشركات دون تعويضها بتدابير لصالح الطبقتين المتوسطة والشعبية.
غضب شعبي
وتشهد فرنسا موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات والإضرابات في مختلف القطاعات، إذ بدأ المزارعون الغاضبون من القيود التنظيمية والمنافسة غير العادلة واتفاقية التجارة المرتقبة بين الاتحاد الأوروبي ودول أمريكا الجنوبية بالتحرك.
واحتجت نقابة "التنسيق الريفي" المتشددة بعدة طرق حادة على الوضع، شملت إلقاء السماد أمام المباني الحكومية وإغلاق الحدود الإسبانية وميناء بوردو بالجرارات، بل وصل الأمر إلى التهديد "بتجويع تولوز".
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تلوح في الأفق إضرابات جديدة تشمل عمال السكك الحديدية والمعلمين وموظفي الخدمة المدنية وطياري الخطوط الجوية ومضيفي الطيران، في وقت تشهد فيه البلاد موجة من التسريحات العمالية.
وفي ظل هذه التحديات المتراكمة، يرى المحللون السياسيون أنه حتى في حال سقوط الحكومة لا توجد قوة سياسية أخرى قادرة على تشكيل أغلبية برلمانية، ما قد يضطر الرئيس ماكرون إلى إعادة تعيين بارنييه وحكومته أو تشكيل حكومة تكنوقراط.
وحذّر إدوارد فيليب، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، من أن "عدم استقرار الوضع السياسي سيؤدي إلى أزمة خطيرة لن تقتصر على السياسة، مرجحًا أن تؤدي الأوضاع المالية الحالية إلى أزمة أكبر.