اعتبر خبراء ومحللون أن استخدام روسيا لصاروخ باليستي يحمل رؤوسًا حربية متعددة في قتال هجومي، يشكّل انحرافًا واضحًا عن عقيدة الردع في الحرب الباردة، وفق ما نقلت عنهم شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية.
وشنّت موسكو هجومًا عنيفًا بصاروخ باليستي عابر للقارات على مدينة دنيبرو وسط أوكرانيا، وذلك بعد التهديدات التي أطلقتها روسيا بشأن استخدام أوكرانيا صواريخ أمريكية وأوروبية في استهداف أراضيها.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الخميس، أن موسكو شنّت هجومًا بصواريخ باليستية متوسطة المدى تفوق سرعتها سرعة الصوت على منشأة عسكرية أوكرانية، وحذّر الغرب من أن موسكو قد تضرب المنشآت العسكرية لأي دولة تستخدم أسلحتها ضد روسيا.
والصواريخ الباليستية العابرة للقارات هي صواريخ قادرة على السفر أكثر من 5500 كيلومتر (3418 ميلًا) كما أنها مصممة بشكل أساسي لإيصال الأسلحة النووية، ويمكن تركيب الرؤوس الحربية النووية على الصاروخ، وكذلك الرؤوس الحربية التقليدية والأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
ويقول الخبراء إن الصواريخ الباليستية ذات الرؤوس الحربية المتعددة، والمعروفة باسم "المركبات متعددة الأهداف المستقلة" أو MIRVs، لم يسبق استخدامها لضرب العدو.
وقال هانز كريستنسن، مدير مشروع المعلومات النووية في الاتحاد الأمريكي للعلماء: "على حد علمي، نعم، هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام الصواريخ الباليستية متعددة الرؤوس الحربية في القتال".
وتشير "سي إن إن" إلى أن الصواريخ الباليستية شكلت الأساس للردع، حيث قدمت ما يعرف بـ"التدمير المؤكد المتبادل"، أو MAD، في العصر النووي.
والفكرة هنا، كما توضح الشبكة الأمريكية، هي أنه حتى لو نجحت بضعة صواريخ في الصمود في مواجهة ضربة نووية أولى، فسوف يتبقى ما يكفي من القوة النارية في ترسانة الخصم لتدمير العديد من المدن الكبرى في الدولة المعتدية، وبالتالي ضمان عدم قدرة أي من الجانبين على الهروب من عواقب الأعمال النووية.
وعلى هذا النحو، جرى تطوير الصواريخ الباليستية لتكون بمثابة حارسًا لمستقبل لن يتم فيه إطلاق الأسلحة النووية مرة أخرى.
لكن المحللين، بما في ذلك كريستنسن، يزعمون أن الصواريخ ذات الرؤوس الحربية المتعددة ربما تؤدي إلى إثارة غضب العدو، بدلًا من ردعه.
وكتب كريستنسن وزميله مات كوردا في الاتحاد الأمريكي للعلماء في دراسة نشرت في مارس الماضي، أفادت بأن القدرة التدميرية العالية التي تتمتع بها الصواريخ متعددة الرؤوس الحربية تعني أنها أسلحة محتملة لضربة أولى، وأهداف محتملة لضربة أولى. وذلك لأن تدمير العديد من الرؤوس الحربية قبل إطلاقها، أسهل من محاولة إسقاطها أثناء سقوطها بسرعة تفوق سرعة الصوت على أهدافها.
وبحسب منشور حديث من اتحاد العلماء المعنيين، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة للدفاع عن العلوم، فإن هذا يخلق سيناريو من نوع "استخدمهم أو ستخسرهم"، وهو حافز للضرب أولًا في وقت الأزمات، وإلا فإن ضربة أولى تدمر صواريخ متعددة الرؤوس من شأنها أن تُلحق ضررًا غير متناسب بقدرة تلك الدولة على الرد، بحسب المنشور.
وأظهرت مقاطع فيديو للضربة الروسية، التي نفذت أمس الخميس، سقوط الرؤوس الحربية المتعددة بزوايا مختلفة على الهدف، وكان من الضروري اعتراض كل رأس حربي بصاروخ مضاد للصواريخ، وهو احتمال شاق حتى بالنسبة لأفضل أنظمة الدفاع الجوي.
وتشير"سي إن إن" إلى أن الرؤوس الحربية التي سقطت على مدينة دنيبرو الأوكرانية، أمس الخميس، لم تكن نووية، ومع ذلك فإن استخدامها في العمليات القتالية التقليدية من المؤكد أنه سيثير حالة جديدة من عدم اليقين في عالم يعيش بالفعل على حافة الهاوية.
ولا يقتصر امتلاك تكنولوجيا الصواريخ الباليستية ذات الرؤوس الحربية المتعددة على روسيا والولايات المتحدة فحسب، بل تمتلك الصين هذه التكنولوجيا على صواريخها الباليستية العابرة للقارات، كما تمتلكها المملكة المتحدة وفرنسا على صواريخها الباليستية التي تطلقها الغواصات، وفق مركز مراقبة الأسلحة ومنع الانتشار.
وحسب "سي إن إن"، فإن هناك لاعبين جددًا في لعبة الصواريخ متعددة الرؤوس الحربية، وقد أفادت التقارير بأن باكستان اختبرت صاروخًا مزودًا برؤوس حربية متعددة في عام 2017، وفي وقت سابق من هذا العام، قالت الهند إنها اختبرت بنجاح صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات مزودًا برؤوس حربية متعددة.
ويشعر المحللون بالقلق إزاء الصواريخ متعددة الإطلاق التي تطلق من البر أكثر من تلك التي تطلق من الغواصات. وذلك لأن الغواصات خفية ويصعب اكتشافها. أما الصواريخ التي تطلق من البر، وخاصة تلك التي توضع في صوامع ثابتة، فمن السهل اكتشافها، وبالتالي فهي تشكل أهدافًا أكثر إغراء.
وفي تقريرهما الصادر في مارس الماضي، كتب كريستنسن وكوردا عن مخاطر توسع نادي الصواريخ متعددة الرؤوس النووية، ووصفاه بأنه "علامة على اتجاه مقلق أكبر في الترسانات النووية العالمية وسباق تسلح نووي ناشئ". وكتبا أن إعلان الهند عن نجاح إطلاق صاروخ متعدد الرؤوس باليستي خلال اختبار في نس الشهر نفسه كان مجرد إشارة تحذير واحدة.
يأتي ذلك في أعقاب نشر الصين للرؤوس الحربية متعددة العائدات على بعض صواريخها الباليستية العابرة للقارات من طراز دي إف-5، ومساع باكستان الواضحة للحصول على رؤوس حربية متعددة العائدات لصاروخها متوسط المدى "أبابيل"، وقد تسعى كوريا الشمالية أيضًا إلى الحصول على تكنولوجيا الرؤوس الحربية متعددة العائدات، وقررت المملكة المتحدة زيادة مخزونها النووي لتمكينها من نشر المزيد من الرؤوس الحربية على صواريخها التي تطلقها الغواصات، كما كتب كريستنسن وكوردا.
وقال الخبيران إن زيادة عدد الرؤوس الحربية متعددة الإطلاق ذات الاستهداف المباشر في مجموعة من ترسانات الدول "من شأنه أن يقلل بشكل كبير من استقرار الأزمات من خلال تحفيز القادة على إطلاق أسلحتهم النووية بسرعة في أوقات الأزمات".
وأضافا إن "العالم الذي تنشر فيه كل الدول المسلحة نوويًا تقريبًا قدرات كبيرة على إطلاق الصواريخ متعددة الرؤوس الحربية يبدو أكثر خطورة من بيئتنا الجيو ستراتيجية الحالية".
وأطلقت أوكرانيا صواريخ أتاكمز أمريكية الصنع على منطقة بريانسك الروسية، الثلاثاء الماضي، بحسب وزارة الدفاع الروسية، كما أطلقت الأربعاء الماضي صواريخ بريطانية على مناطق أخرى في عمق روسيا.
وجاء الهجوم الأوكراني بعد يومين فقط من إعطاء إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الضوء الأخضر لكييف لاستخدام الأسلحة الأمريكية بعيدة المدى ضد أهداف داخل روسيا.